نحب أن نعتقد عن أنفسنا أننا مميزون ومختلفون عن الجميع، وأن شخصيتنا فريدة من نوعها، لهذا من المفهوم كم الحيرة التي أثارها البحث الجديد الذي خرج به مجموعة من العلماء، عندما قالوا أن سلوكنا، وحتى شخصياتنا، تتأثر بشئ غير متوقع أبداً: جهازنا المناعي !
الأمر بدأ ببحث أجراه مجموعة من العلماء على الفئران، بعد أن قاموا بإيقاف تشغيل بعض الجزيئات المناعية، فاكتشفوا أن هذا غير الطريقة التي تتصرف بها وتتفاعل مع بعضها البعض، وقد دفعهم هذا لنظرية جديدة، ربما يكون للمناعة دور في الإصابة بالتوحد أو الفصام.
كيف أمسك العلماء ببداية الخيط؟
قبل أن تنفعل للغاية بما يقوله هذا البحث، عليك أن تدرك أنه لم يتم حتى الآن إلا على الفئران، لكن الباحثين الذين ينتمون إلى كلية الطب في جامعة فيرجينيا قاموا بإثبات ذلك بشكل بالغ الوضوح، بعد أن قاموا ببساطة بتغيير الطريقة التي يستجيب بها الجهاز المناعي لمسببات الأمراض، ففوجئوا برد فعل معادي للمجتمع في الفئران، ثم فوجئوا مرة أخرى عندما عادت شخصيات الفئران للوضع الطبيعي بعد تراجعهم عن التلاعب الذي أحدثوه في الجهاز المناعي.
الجزئ المناعي الذي تم تغييره يسمى إنترفيرون جاما interferon gamma، الجهاز المناعي يطلقه عادة عندما يدافع عن نفسه ضد مسببات الأمراض، مثل الفيروسات أو البكتيريا، وهو النوع من الاستجابة المناعية التي كان العلماء يعتقدون أنها لا تؤثر مطلقاً على الدماغ بسبب الحاجز الدموي الدماغي، لكن كل هذا تغير عندما اكتشف الفريق للمرة الأولى أن الأوعية السحائية تربط الدماغ والجهاز اللمفاوي بشكل مباشر.
علاقة قد تكشف مزيداً من الألغاز
هذه العلاقة المكتشفة قد تفسر الكثير، فالعلماء كانوا في شكوك منذ سنوات أن بعض الاضطرابات مثل الاكتئاب والتوحد والشيزوفرينيا، قد تكون مسببة بخلل في الجهاز المناعي، ولهذا فإن هذا الكشف قد يكون مفتاحاً لتفسير الكثير، إذ إنه قطع خطوة إضافية عندما وضع نظرية ربط معارك الجهاز المناعي بتغيرات الشخصية.
لكن .. لماذا يتلاعب الميكروب بالشخصية؟
من وجهة نظر تطورية، فإن الفيروسات والبكتيريا سوف تهدف لتغيير السلوك الاجتماعي لأن هذا يساعد على انتشارها، أما نحن فهو مهم لنا لأنه المحرك للتكاثر وانتشار النوع، هذا قد يفسر استهدافه مسببات الأمراض للشخصية، لكن العلماء ما يزالون بحاجة لإجراء مزيد من البحث ليروا ماذا سيحدث للإنسان في هذه التجربة.
هل يفك هذا البحث لغز الفصام والاكتئاب؟
مع إن البحث ما يزال في مراحله المبكرة، إلا إنه قد يحدث فرقاً في تعاملنا مع الأمراض النفسية والبحث عن علاجات لها، لكن بغض النظر عن الأبعاد العلاجية والإكلينيكية التطبيقية للأمر، فإنه قد يحمل أبعاداً فلسفية مؤثرة كذلك.