تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) أكثر مناطق العالم ندرة المياه وتشمل هذه المنطقة 17 بلداً تحت خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة.
وعلى غرار الإسراف في إنفاق الأموال من حساب مصرفي على المكشوف، يتم سحب المياه في المنطقة بشكلٍ أسرع مما يمكن تجديده، مما يعني أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعيش في الأساس «فوق إمكاناتها الفعلية».
هذا ما خلص إليه تقريرٌ حديثٌ للبنك الدولي، الذي يوضح كيف يمكن لدول المنطقة أن تتجاوز عتبة ندرة المياه، لتعزيز الأمن المائي.
وباعتبارها موطناً لـ6% من سكان العالم، ولا تحتوي سوى على 1% فقط من موارد المياه العذبة في العالم، توصَّل التقرير إلى نتيجةٍ، مفادها أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحاجةٍ إلى اتخاذ إجراءاتٍ حاسمةٍ لتضييق الفجوة بين إمدادات المياه والطلب عليها.
ويوضح التقرير أن ندرة المياه شكلت تحدياً لمئات السنين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقد أدى النمو السكاني والنمو الاقتصادي السريع، وإمدادات المياه المشتركة عبر الحدود، وآثار تغير المناخ وضمنها فترات الجفاف المتكررة، وتراجع هطول الأمطار وارتفاع معدلات التبخر، إلى تأثيرٍ كبيرٍ في إمدادات المياه بالمنطقة، وفقاً للتقرير الإقليمي العربي لعام 2018.
مقالات اخرى
استخدام النانو تكنولوجي في تنقية المياه
كيف لنا أن نحدد مستوى التلوث في المياه العادمة
كما تراجعت 13 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحيث تحققت فيها معايير «ندرة المياه المطلقة» في عام 2014، وفقاً لأحدث البيانات المتوافرة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
مواجهة “ندرة المياه المطلقة”
تُصنَف البلدان ضمن الدول التي تعاني ندرة المياه المطلقة، عندما تنخفض فيها إمداداتها المائية السنوية من المصادر الطبيعية إلى أقل من 500 متر مكعب للشخص الواحد لتلبية الاحتياجات المنزلية والزراعية والصناعية.
وتوجد 7 من جملة البلدان التي تواجه ندرة مطلقة في شبه الجزيرة العربية، والمعروفة بمناخها الصحراوي القاسي وانخفاض نسبة هطول أمطار.
ونتيجة لذلك، تستهلك بعض البلدان من المياه أكثر بكثير مما تستطيع المنطقة تحمُّله.
يحدث الاستخدام غير المستدام للمياه في المناطق التي تُضخ فيها المياه من الأنهار والطبقات الجوفية من الصخور المشبعة بالمياه، والمعروفة باسم مستودعات المياه الجوفية، بمعدل أسرع من قدرة امتلائها من جديد من خلال الأمطار، وفقاً لتقرير البنك الدولي.
وقالت كلوديا سادوف، المديرة العامة للمعهد الدولي لإدارة المياه لـCNN: «عندما تُسحب كمية من الماء أكثر من تلك التي سيتجدد مخزونها، يبدأ تدمير مستودعات المياه الجوفية نفسها».
وتضيف: «إنك بمثل هذا التصرف تضر بالنظم البيئية التي تعتمد عليها، وتُعطل الإنتاج الاقتصادي وسبل عيش الأسر».
ومع ذلك، توضح سادوف، إحدى واضعي تقرير البنك الدولي الرئيسيين، أن الضرر الذي يلحق بمستودعات المياه الجوفية، ليس نهائياً ويمكن إصلاحه.
وتقول: «من المحتمل بعد سنة من الأمطار الغزيرة، استعادة طبقات المياه الجوفية هذه».
ووفقاً للبنك الدولي، يحدث الاستخدام غير المستدام للمياه الجوفية عبر بلدان شبه الجزيرة العربية والمغرب العربي وإيران، غير أن بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اعتمدت أفكاراً مهمة وخلاقة جداً في إنتاج مياهها.
تحلية مياه البحر
من الطرق الشائعة للتعويض عن ندرة المياه المياه، تُستخدم عملية إزالة الأملاح من مياه البحر، في عملية تسمى تحلية المياه، وتستأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما يقرب من نصف طاقة التحلية بالعالم، وفقاً لحسابات البنك الدولي، مما يجعلها أكبر سوق لتحلية المياه في العالم.
تمارَس تقنية تحلية المياه في 150 دولة حول العالم، وتقدِّر جمعية التحلية الدولية (IDA) أن أكثر من 300 مليون شخص بجميع أنحاء العالم يعتمدون على المياه المحلّاة لتلبية بعض احتياجاتهم اليومية أو كلها.
لكن تحلية المياه في الشرق الأوسط تخلف بصمة كربونية معتبرة؛ نظراً إلى أن المنطقة تعتمد على محطات تحلية مياه كثيفة الطاقة، باعتبار أنها تستخدم الوقود الأحفوري لتوليد الحرارة، الكفيلة بتبخر وتكثيف المياه لتوفير مياه في شكل مُنقى.
إضافة إلى ذلك، يتم التخلص من المواد الكيميائية والماء المشبع بالملح، المتمخض عن عملية التحلية، في البحر، الأمر الذي قد يضر بالنظم البيئية البحرية.
وللتعويض عن التكلفة البيئية، تقوم العديد من المشاريع الطموحة في المنطقة بتجربة تحلية المياه عن طريق التحلية من خلال استعمال الطاقة الشمسية، والتحلية بالتناضح العكسي؛ وهي عملية أقل استهلاكاً للطاقة، وتزيل الملح من الماء عن طريق دفع مياه البحر من خلال غشاء شبه منفذ.
تقول الأمينة العامة لجمعية التحلية الدولية، شانون مكارثي، إنها متفائلة بأن الطاقة المتجددة ستجعل العملية أرخص تكلفة وأقل تلوثاً على حد سواء.
هناك بدائل أرخص لإنتاج المياه
أكبر كمية من المياه المحلاة تُنتج في منطقة الخليج، حيث تعتمد بعض البلدان على المياه المحلاة بنسبة 90% للاستخدام المنزلي، كما توضحه مكارثي. وتضيف: «تعتمد هذه الدول بشكل كبير على تحلية المياه؛ لأنها لا تملك بديلاً حقيقياً».
ومع ذلك، قد تكون هذه الأنواع من إمدادات المياه غير التقليدية بالغة التكلفة في التنفيذ، مما يجعلها غير قابلة للاستخدام في الدول الفقيرة. وفقاً لسادوف، تُوجد بدائل أرخص لإنتاج المياه.
وتقول: «إن التكنولوجيات الأخرى، من غير تحلية المياه، مثل معالجة مياه الصرف، وإعادة ملء المياه الجوفية، والتقاط مياه الأمطار ومياه العواصف لإعادة ملء طبقات المياه الجوفية، ليست بالضرورة مكلفة بشكلٍ كبيرٍ».
لكن مع ذلك، لا تزال المناطق الأكثر فقراً مثل اليمن وليبيا والضفة الغربية وغزة، تعتمد إلى حدٍ كبيرٍ على موارد المياه الجوفية بدلاً من إنتاج مياهها، وهذه الدول هي التي تدفع أعلى ثمن من حيث حصولها على كميات غير كافية من إمدادات المياه وصرف صحي غير مناسب.
وتوصَّل تقرير البنك الدولي إلى أن عدم كفاية إمدادات المياه والصرف الصحي يكلف منطقة الشرق الأوسط والمغرب العربي 21 مليار دولار سنوياً من الخسائر الاقتصادية، ويشمل ذلك تكاليف الرعاية الصحية، وخسارة وقت الإنتاج بسبب المرض، والوفاة المبكرة.
ومن المتوقع أن تؤدي ضغوطات السكان والنمو الاقتصادي وتغيُّر المناخ إلى تفاقم الأزمة المائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويشير تقرير البنك الدولي إلى أن من شأن ذلك أن يزيد من التنافس على الموارد المائية المشتركة عبر الحدود، الأمر الذي سيزيد بدوره من حدة التوترات السياسية.
إذا استمرت الأمور «كالمعتاد»، فإن 60% من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستواجه ضغطاً في وفرة المياه، من درجة عالية إلى درجة جد عالية، بحلول عام 2040، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. وبحلول عام 2050، يقول البنك الدولي إن ندرة المياه المرتبطة بالمناخ ستكلف المنطقة ما بين 6 إلى 14% من ناتجها المحلي الإجمالي.
بالنسبة لسادوف، هناك 3 استراتيجيات واضحة لتعزيز إمدادات المياه المحدودة.
«يمكنك أن تزيد من كفاءة استخدامك المياه، ويمكنك استخدام المياه لأشياء مختلفة عن تلك التي تستخدمها في الوقت الراهن، والطريقة الثالثة هي توفير المزيد من المياه، وذلك عن طريق إنشاء موارد مائية غير تقليدية»، على حد قولها.
لكن، مع تزايد ندرة المياه قد تكون جميع الاستراتيجيات الثلاث أساسية لتأمين المياه للأجيال القادمة.