وفقًا للبيانات الجديدة الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني، أصبحت الأسر ذات الطفل الواحد شائعة بشكل متزايد، حيث إن ما يزيد قليلاً عن 40 في المائة من أسر المملكة المتحدة لديها طفل واحد فقط.
في أمريكا، قفزت نسبة الآباء الذين لديهم طفل واحد فقط من 11 في المائة في عام 1976 إلى 22 في المائة في عام 2015.
ومع ذلك، فقد سادت خلال هذا القرن بالفعل صورة سلبية حول الطفل الواحد.
عادة ما يكون الاكتفاء بطفل واحد قرارا صعبا، وفي الكثير من الأحيان لا يكون قرارا اختياريا بقدر ما تفرضه الضغوط الاقتصادية أو الظروف الصحية أو مشكلات أخرى تخص الأسرة. ما يزيد الأمر صعوبة تلك الأساطير التي يواجهها الآباء حول المستقبل الغامض الذي ينتظر طفلهم، والشخصية الصعبة التي سيكون عليها نتيجة نشأته وحده “ملكا مدللا” في الأسرة، فهل حقا سيكون طفلك الوحيد مدللا وأنانيا؟
هناك أسطورة واسعة الانتشار مفادها أن الأطفال الوحيدين هم أنانيون ومتطلبون ولا يتقهمون المفاهيم الأساسية مثل المشاركة، في حين يعتقد أن ذوي الأخوة والأخوات يتعلمون هذه المهارات الاجتماعية افتراضيا.
هذه الأفكار قد ترجع إلى عام 1896، حيث يعد العالم السيكولوجي الأميركي “ستانلي هول” أول من قال إن الطفل الواحد يحمل مجموعة من السمات المميزة، على رأسها أنه أناني وعدواني، وذهب أبعد من ذلك، فقال إن الأمر “يُشكّل مرضا في حد ذاته”، وكان ذلك في أوائل القرن العشرين، حين درس سمات مجموعة من الأطفال في المزارع البعيدة.
فما مدى صحة هذه القصص؟ هل يمكن أن يكون لكون الطفل وحيدا آثار صحية بدنية أو عاطفية؟
هذا الأسبوع، وجدت دراسة في مجلة التثقيف والسلوك التغذوي أن الأطفال الوحيدين أكثر عرضة للسمنة.
درس الباحثون يوميات الطعام التي تحتفظ بها 62 أم أمريكية للنظر في عادات الأكل للأسر، والتي تغطي يومين في الأسبوع ويوم عطلة نهاية الأسبوع، مع تسجيل المعلمين ما يأكل الأطفال في المدرسة.
وجدت الدراسة أن الأسر التي لديها أطفال متعددين تميل إلى قضاء المزيد من الوقت في التخطيط لوجبات الطعام العائلية ووقت أقل في تناول الطعام بالخارج، وهما عاملان ضروريان لتغذية جيدة، وفي المجموع، كان 37 في المائة من الأطفال الوحيدين يعانون من السمنة المفرطة، مقارنة ب 5 في المائة من الأشقاء.
ويبدو أن النتائج تتعلق بالحقائق الاقتصادية لتربية أطفال متعددين أكثر من أي قضايا تنموية محددة فيما يتعلق بالأطفال الوحيدين.
وهناك اهتمام خاص بهذا المجال من الدراسة في الصين، حيث من عام 1979 حتى عام 2015 كانت سياسة الطفل الواحد سارية في جميع أنحاء البلاد.
وجدت إحدى الدراسات التي أجراها العلماء في جامعة بكين في عام 2016 أن الأطفال الوحيدين لديهم بنية دماغية مختلفة قليلاً مقارنة بالأشقاء، وخاصة فيما يتعلق بحجم المادة الرمادية.
لم تُظهر الدراسة أي اختلاف في الذكاء بين الأطفال الوحيدين وذوي الأخوة والأخوات، لكن أظهرت أن الأطفال الوحيدين هم الذين يؤدون أداء أفضل في اختبارات المرونة (مقياس للإبداع) ويحرزون درجة أقل من حيث القبول.
بدنيا، أظهرت أدمغة الأطفال الوحيدين حجما أكبر من حجم التلفيف العلوي، وهي منطقة في الدماغ مرتبطة بمعالجة اللغة وقشرة صغيرة أمامية، وهي منطقة تركز على التنظيم العاطفي والسلوكيات الاجتماعية.
ومع ذلك، وجدت دراسة أخرى (أيضا من الصين) أن الأطفال الوحيدين هم أكثر عرضة لإظهار درجات عالية من النرجسية من أولئك الذين لديهم أشقاء.
في الغرب، أجري توني فالبو، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة تكساس، الكثير من الأبحاث حول الأطفال بدون أشقاء.
وجدت واحدة من مراجعات Falbo المبكرة من عام 1979 أن هؤلاء الأطفال هم منضبطون بشكل جيد مثل الأطفال ذوي الأشقاء وأنهم أفضل في المدرسة، ولديهم المزيد من الحوافز، واحترام أفضل للذات، وأنهم أكثر موهبة اجتماعيا.
وجد تحليل آخر للدراسات التي أجراها فالبو أنه على الرغم من أن أداء الأطفال الأكبر سنا من أسر لطفلين كان أفضل من حيث الذكاء والإنجاز، إلا أن الأطفال الوحيدين هم الذين أدوا أداء أفضل في هذه المقاييس من أي تكوين آخر للأطفال وفي جميع النتائج التنموية.
وجدت دراسة شملت أطفال تتراوح أعمارهم بين 10-12 سنة في جميع أنحاء ألمانيا أن الأطفال الوحيدين هم الذين لديهم علاقات أفضل مع آبائهم، ووجد الباحثون أن السبب في ذلك هو أن الأطفال الوحيدين يمكنهم التحدث مع والديهم حول الأمور المهمة بسهولة أكبر.
مقالات شبيهة:
إذا كنت تجيد حل الألغاز في صغرك فلن تصاب بالخرف في وقت لاحق من العمر
بعض الدراسات التي أجريت على الأطفال الوحيدين يمكن أن تكون متناقضة
على سبيل المثال، وجدت دراسة أجرتها مؤسسة أونتاريو للصحة العقلية أن الأطفال الوحيدين هم أكثر عرضة للخضوع، ويعانون من الحماية الزائدة من قبل آبائهم، في حين كشفت دراسة من مدرسة تشيانغ ماي الطبية أن الأطفال فقط هم أكثر طموحا وثقة وذكاءا واستقلالية.
وبالمثل، وجدت دراسة واسعة النطاق أجراها مركز أبحاث الشيخوخة والمعهد الوطني للشيخوخة والمعاهد الوطنية للصحة في أمريكا أن كون الطفل الوحيد ليس له أي تأثير على الشخصية أو الذكاء على الإطلاق.
فأين تكمن الإجابة الحقيقية؟
يخبرنا المعالج الدكتور “كارل بيكهارت” في ضوء خبرته في التعامل مع الأطفال إن الطفل الوحيد لم يختبر شعور المشاركة مع الآخرين، فهو دائما محل الاهتمام الوحيد من والديه، وكل مقتنياته له وحده. وفي دراسة أجراها عالم النفس يانغ كيو من جامعة ساوث وست في الصين على 126 طالبا ليس لديهم أشقاء و177 طالبا لديهم أشقاء من أطفال الصين أثبتت أنهم أقل استعدادا للتسامح مع الآخرين.
وكتب أحد الباحثين في الأخوة أفيدن ميليفسكي ذات مرة أنه لاحظ “في كثير من الأحيان أن الباحثين الذين هم أطفال وحيدون هم الذين يضعون دراسات إيجابية حول الأطفال بدون أشقاء، بينما يقترح أولئك الذين لديهم أشقاء أن الأطفال الوحيدون محرومون.
ويرى البعض أنه من المجحف أن نحكم على جوانب نفسية متعددة في الشخصية من خلال عامل واحد هو وجود أشقاء من عدمه، وفي النهاية فإن الطفل سواء كان وحيدا في الأسرة أم له أشقاء يحتاج إلى الاهتمام والرعاية والتدريب على تحمل المسؤولية والاندماج في المجتمع.
ولدى آباء الطفل الواحد ما يميزهم أيضا، فهم يدركون أنه طفلهم الوحيد، وفرصتهم الوحيدة في تنشئة طفل، لذا يبذلون قصارى جهدهم بالفعل، وهو ما يساعده في النمو الفكري واللغوي بشكل أسرع بسبب اقترابه من البالغين بشكل عام.
وكما تقول كلير هيوز، أستاذة علم النفس التطوري ونائبة مدير مركز أبحاث الأسرة بجامعة كامبريدج، فإن عدد الأطفال المثالي هو عدد أطفالك فعلا، وسيكونون سعداء فقط إن أحببتهم.
بشكل عام، يبدو أن كونك طفلا واحدا ليس له أي آثار صحية في كلا الاتجاهين، بل أن الأمر يتعلق بكيفية التربية.