في المخيلة الشعبية، يعج العمل العلمي بسلسة من لحظات “وجدتها!”، ولكن معظم الابتكارات العلمية لا تأتي نتيجة لومضة من البصيرة، بل تبدأ في الواقع مع هدف متواضع بأن تكون النظريات التي تتحكم بفهمنا للكون أقل احتمالاً لأن تكون خاطئة.
أفضل طريقة للتحقق من النظريات الجديدة، تكون عن طريق تطبيق القول المأثور القديم التي يقول “ثق ولكن تحقق”، ولكن في العقود الأخيرة، تم تجاهل هذه النصيحة البسيطة بسبب الحوافز المنحرفة والتحيز الإنساني.
إن مبلغ التمويل المتاح للبحث العلمي لا يكون عادة كافياً للعدد المتزايد من العلماء الذين يكونون تحت التدريب، وللحصول على التمويل اللازم، يلجأ العديد من العلماء للاحتيال، ومن خلال ذلك يمكن القول بأن نصف المجالات التي تشهد زيادة في تراجع نسبة الأدبيات العلمية فيها بمعدل عشرة أضعاف راجع لهذا الاحتيال.
ولكن مؤخراً بدأ العلماء بفعل شيء لحل هذا الموضوع، فمن بين جميع العلوم كان لعلم النفس الحصة الأكبر في تشويه السمعة، وذلك بسبب العدد الكبير من الطروحات الجدلية التي قدمها في الفترة الماضية، وبناء عليه، قرر (براين نوسيك)، وهو طبيب نفساني في جامعة فرجينيا، معالجة ذلك، لذلك قام في عام 2011 بمساعدة 270 عالماً آخر من زملائه بإطلاق مشروع التكرار بغية التحقق من نتائج 100 دراسة في مجال علم النفس تم اختيارها بطريقة عشوائية، لاختبار فيما إذا كانت ستجتاز التدقيق.
الآن، وبعد مرور أربع سنوات، قام الباحثون بنشر نتائج هذه التجارب المكررة في مجلة (Science)، وكانت النتائج أسوأ مما كان متوقعاً، حيث تبين بأن حوالي ثلث الدراسات التي تم تكرارها هي فقط من أعطت نتائج قوية مماثلة للبحوث الأصلية.
على الرغم من أن هذه النتائج كانت دامغة، ولكن وكما أشار الكاتب العلمي (إد يونغ) في مجلة (The Atlantic)، فإن هذا الفشل في تكرار الدراسات، لا يشكك في صحة الدراسات الأصلية أكثر مما يؤكد صدق الدراسات التي اجتازت التدقيق.
قد يُفترض بأن كل دراسة علمية قابلة للتكرار، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، حيث أن إنشاء الحقائق العالمية في علم النفس يعتبر أصعب بكثير مما هو عليه في الرياضيات، فكلما صعدنا في هرم التعقيد –من الرياضيات إلى الفيزياء إلى الكيمياء لعلم الأحياء وعلم النفس- كلما ازداد عدد الخيارات الذاتية التي يتوجب على العالم أن يتخذها بسرعة، وهكذا، يمكن لتحايل طفيف أن يؤدي لظهور نتائج مختلفة إلى حد كبير.
إن النتيجة التي بينتها تجربة (نوسيك) العظيمة، لا تؤدي بالضرورة إلى تقويض الاعتماد على دراسات علم النفس، ولكنها تظهر بأننا بدأنا في تعلم كيفية جعل البحث العلمي أكثر صرامة، وإذا أخذنا الأمر على نطاق أوسع، فإن هناك حاجة ملحة لتطبيق الدروس المستفادة من علماء النفس في مشروع التكرار وتطبيقها على المجالات العلمية الأخرى، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع العلم من خلالها أن يبدأ بإصلاح نفسه.