بعد 100 عام، يعتقد العلماء أنهم اقتربوا كثيراً من حل لغز بقي يحيرهم كل هذه المدة، عندما كان يدهشهم ثلج يشبه خيوط حلوى غزل البنات، يخرج من فروع الأشجار الميتة في بعض الأماكن الباردة دون أن يفهموا تفسيره.
هذا الثلج الخيطي الجميل، لا يظهر إلا بوجود نوع معين من الفطريات القادرة على مقاومة البرودة، وقد فهم العلماء الطريقة التي يستطيع بها هذا الفطر أن يصنع الثلج الآن.
أول من رأى هذا الثلج وقام بدراسته كان ألفريد فيجنر في عام 1918، وهو عالم فيزيائي فلكي ألماني اشتهر بنظرية الانجراف القاري، وفي هذا الوقت شك أن تكوين الثلج يحدث بسبب وجود فطر على فروع الشجر، حيث تعيش جذور الفطر على فروع الشجر المتعفنة وتمتص الغذاء، لتكون ما يشبه غلافاً أبيض شاحباً مثل خيوط العنكبوت، لكن العلماء لم يجدوا الدليل على ذلك إلا بعد مضي نحو 90 عاماً، بأن جذور الفطر هي السلائف الحيوية لهذا الثلج الغريب، فبعد معالجة الأخشاب بقاتل الفطريات أو غمسها في الماء الحارق لم تعد تنتج هذا الثلج.
وقال كريستيان ماتزلر المؤلف المشارك في الدراسة والأستاذ الفخري في معهد الفيزياء التطبيقية في جامعة بيرن في سويسرا أن هذا الخشب ينتج نفس كمية الثلج بوجود أو غياب الفطر، لكن الفرق في الشكل، فبوجود الفطر ينتج هذا الشكل الخيطي المميز، وبدونها سوف يكون الثلج على هيئة تكتلات فحسب، فهو يساعد تكون الخيوط الرقيقة التي يبلغ قطرها 0.01 ميليمتر، كما أنه يبقي على الخيوط في شكلها هذا لعدة ساعات في درجة حرارة منخفضة تصل إلى 0 درجة سليزيوس.
كان دور ماتزلر في البحث هو في معرفة طريقة تكون الثلج، واكتشف أنه يتكون بعملية تسمى “عزل الجليد”، عندما يحبس الماء فائق البرودة في مسام المادة، ليتوجه نحو ثلج متكون بالفعل ويتجمد عليه، فتزيد المادة المتجمدة، الأمر مثل مادة تخرج من مسام طابعة ثلاثية الأبعاد، شكل الثلج يتحدد حسب شكل مسام الخشب.
العلماء أرجعوا سبب التأخر في حل هذا اللغز لمئة عام إلى طبيعة هذا الثلج المؤقتة، حيث يذوب بطلوع الشمس، كما أنه يضيع وسط زحام الثلوج ولا يكون واضحاً، كما قالت العالمة البيولوجية جيسلا بريوس التي استطاعت التقاط عدة صور له في دراستها الجديدة، كما أنها توجد في المناطق الشمالية الباردة فقط غالباً، مثل كندا وفرنسا وألمانيا والهند وأيرلندا، هولندا وروسيا، سكوتلندا وسلوفينيا والسويد وسويسرا، والولايات المتحدة.
وقالت بريوس أنها وفريقها عندما شاهدوا هذا الثلج غريب الشكل لأول مرة في أثناء تمشية في الغابة، كانوا مندهشين من جماله، وبرغم من كونه يذوب في نفس يوم تكونه في العادة، إلا إنه يستمر لفترة أطول إن بقيت الحرارة أقل من درجة التجمد وبقي الهواء رطباً، ثم تتلاشى.
في دراستها الجديدة قامت بريوس بأخذ عينات من الأخشاب التي أخرجت من قبل الثلج الذي يشبه خيوط غزل البنات في الشتاءات من 2012 إلى 2014 في غابات قريبة من غرب ألمانيا، ثم تفحصت العينات تحت الميكروسكوب ووجدت 11 نوعاً مختلفاً من الفطريات، واكتشفت اشتراك جميع العينات في نوع واحد من الفطر هو Exidiopsis effuse، وقالت بريوس أن هناك أنواعاً من التربة وسيقان بعض النباتات تنتج نفس الثلج العجيب، لكنها لم تجد هذا الفطر فيها.
العلماء قاموا أيضاً بتحليل الثلج المتحلل ووجدوا أجزاء من مركبات عضوية مثل الليجينين والتانين، الليجينين هو مادة موجودة في النباتات الوعائية مثل الطحالب والصنوبريات، وهي تشكل 20 إلى 30 بالمئة من الخشب الجاف وهي التي تعطيه قوامه الصلب والمقاومة ضد التعفن، أما مادة التانين فهي توجد أيضاً في النباتات الوعائية، وتحمي النباتات من الحيوانات آكلة العشب، لأنها تعطي طعماً قابضاً لا تحبه هذه الحيوانات.
وبالرغم من ذلك، فإن هناك فطريات وبكتيريا معينة تستطيع أن تفرز إنزيماً يسمى “الليجينينس” يحلل مادة الليجينين، مكونة عفناً رطباً وليناً إسفنجياً يبدو أبيض أو أصفر، كما أن هذه الفطريات تعمل كمثبت الشعر، فتثبت الخيوط البيضاء في مكانها، وتمنع مادة الليجينين فيها تحول الكريستالات الثلجية الصغيرة إلى كريستالات أكبر.
ومازال الفريق بصدد المزيد من العمل لمعرفة المركب الذي يجعل هذه الفطريات قادرة على تكوين كريستالات الثلج الصغيرة، وكشف اللغز بطريقة أوسع.