وجدت أكبر دراسة من نوعها أنه لا يوجد ” جين بعينه مسؤول عن المثلية الجنسية “، لكن مزيجا معقدا من العوامل الوراثية والبيئية تؤثر على ميل شخص لشركاء من نفس الجنس.
فوفقا للدراسة التي شملت أكثر من 470 ألف شخص، ونشرتها دورية “ساينس”(Science)، فإن المتغيرات الوراثية للشخص لا يُمكن أن تتنبأ على نحوٍ قاطع باحتمالية الانخراط في سلوك جنسي مثلي.
وتؤكد نتائج الدراسة أن سلوكيات المثلية الجنسية تتأثر بمزيج معقد من التأثيرات الوراثية والبيئية، على غرار معظم الصفات الوراثية الأخرى.
يقول مؤلفو الدراسة إنه لا يوجد “جين مثلي واحد” يُمكن أن يؤكد إذا ما كان الشخص لديه استعداد وراثي لممارسة الجنس المثلي، بل إن هناك آلاف من المتغيرات الوراثية المرتبطة بذلك السلوك، ولكلٍّ منها تأثير ضئيل جدا.
وقال الباحث المشارك بنيامين نايل، عالم الوراثة النفسية في معهد برودست في كامبريدج، ماساشوستس ، إن البحث “يقدم أوضح لمحة حتى الآن عن الأسس الوراثية للسلوك الجنسي المثلي”.
وقال نايل: “وجدنا أيضا أنه من المستحيل فعلًا التنبؤ بالسلوك الجنسي للفرد من الجينومات.
الأثار الوراثية على المثلية الجنسية
ووجد الباحثون أن “آثار المتغيرات الوراثية التي يُعتقد أنها ترتبط بالسلوك الجنسي المثلي لا تتخطى1%، وبالتالي فإن استخدام تلك المعلومات أو المتغيرات للتنبؤ أو التدخل أو “العلاج” هو أمر “مستحيل كُليّا”.
لاحظ الباحثون أيضًا وجود بعض المتغيرات التى ترتبط بالمسارات البيولوجية التي تؤثر على السلوك الجنسي المثلي، إلا أن الورقة العلمية تؤكد أن الأنماط السلوكية “معقدة”، وأن الاعتماد على الأسس البيولوجية لتفسير السلوك الجنسي المثلي ليس صحيحًا بشكل كامل؛ نظرًا إلى أن رؤيتنا وما نعرفه عن الجينات “بدائي جدا”.
شملت تلك الدراسة العديد من الأفراد المثليين والمثليات، كما فحصت أيضًا الأشخاص ثنائيي الميول الجنسية، والذين يُفضلون الجنس المستقيم. ورغم أن الدراسة شملت قرابة نصف مليون حالة، إلا أن “أندريا جانا” -أحد مؤلفي الدراسة- يقول إن البحث “لم يستطع استكشاف التعقيد الغني للهوية الجنسية والتوجهات الشخصية”.
أصول السلوك المثلي غير مؤكدة، حيث أن بعض أقوى الأدلة تؤكد على وجود صلة وراثية تأتي من دراسات في توائم متماثلة، ويعتقد العديد من العلماء أن العوامل الاجتماعية والثقافية والعائلية وغيرها من العوامل البيولوجية متورطة أيضا، في حين أن بعض الجماعات الدينية والمتشككين يعتبرونها اختيارا أو سلوكا يمكن تغييره.
يشير تعليق علمي إلى أن المتغيرات الخمسة المحددة لها تأثير ضعيف على السلوك بحيث أن استخدام النتائج “للتنبؤ أو التدخل أو” العلاج ” هو أمر مستحيل تماما.
وقالت ميليندا ميلز، عالمة الاجتماع بجامعة أوكسفورد في التعليق: “يجب أن يبحث العمل في المستقبل عن كيفية تغيير الاستعدادات الجينية للعوامل البيئية”.
وكان للخبراء الآخرين غير المشاركين في الدراسة ردود فعل متباينة.
مواقف مختلفة من الدراسة الخاصة بالمثلية الجنسية
الدكتور كينيث كيندلر، متخصص في علم الوراثة النفسية بجامعة فرجينيا كومنولث، وصفها بأنها “ورقة مهمة جدا تقدم دراسة علم الوراثة في التفضيل الجنسي البشري إلى حد كبير، وتتوافق النتائج بشكل واسع مع تلك التي تم الحصول عليها من التقنيات السابقة للتوأم والعائلة.
وقال عالم الوراثة السابق بالمعاهد الوطنية للصحة دين هامر إن الدراسة تؤكد أن “الحياة الجنسية معقدة وأن هناك الكثير من الجينات المعنية”، ولكنها لا تتعلق حقا بالمثليين.
وقال هامر: “إن تجربة واحدة مختلف تمامًا عن كونك مثليا أو مثليه”، وقد ربط بحثه في التسعينيات بين علامة الكروموسوم إكس وبين الشذوذ الجنسي لدى الذكور، كما أن بعض الدراسات اللاحقة كانت لها نتائج مماثلة، لكن الأخبار لم تعثر على مثل هذا الرابط.
وقال دوغ فاندرلان، عالم النفس بجامعة تورنتو الذي يدرس التوجه الجنسي، إن عدم وجود معلومات عن الميول الجنسية يشكل عائقا ويجعل من غير الواضح ما تشير إليه الروابط الوراثية المحددة.
جدير بالذكر أن الدراسة عبارة عن تعاون بين العلماء بمن فيهم علماء النفس وعلماء الاجتماع والإحصائيين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا وأستراليا، وقد قاموا بإجراء مسح كامل للجينوم البشري، باستخدام عينات دم من البنك الحيوي الأمريكي وعينات اللعاب من عملاء شركة 23andMe التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها والتي وافقت على المشاركة في الأبحاث.
وقال الباحثون أن النتائج تُعد موثوقةً إلى حدٍّ كبير، وتتفق مع رؤية العديد من الدراسات العلمية الأخرى، غير أن هناك عددًا من القيود في تلك الدراسة، أهمها على الإطلاق أن المعلومات التي اعتمدت عليها تم الإبلاغ عنها ذاتيًّا، بمعنى أن الباحثين في الدراسة لم يُجروا أي فحوصات تتعلق بصحة تلك المعلومات”.
كما أن نتائج تلك الدراسة “إحصائية”، ولا يمكن استخلاص أي استنتاجات لأي فرد بعينه، وبالتالي، يستحيل التنبؤ أو تحديد السلوك الجنسي لشخصٍ ما على وجه التحديد، إضافةً إلى أن تركيبة العينات جاءت من الأصول الأوروبية، مع قليل من أصول أخرى، وبالتالي لا يُمكن أن تُطبق النتيجة على الأجناس المتعددة أو سكان العالم ككل.