من المعروف أن الثقوب السوداء لا تتوهج، فهي معروفة بأنها معتمة، ولكنها حين تلتهم بنهم المادة المحيطة بها في الفضاء فإن تلك المادة قد تتوهج بما يقدر بمليار شمس في طيف الأشعة السينية.
وللمرة الأولى، رأى علماء الفلك أن أن ذلك التوهج يخمد في ظروف غامضة، قبل أن يعود تدريجيا إلى السطوع.
الثقب الأسود هائل الكتلة هو وحش يبلغ عدد كتلته 19 مليون كتلة شمسية، ويزود نواة مجرية تبعد 275 مليون سنة ضوئية، في مجرة تسمى 1ES 1927 + 654.
على مدار 40 يوما فقط، راقب الفلكيون أن الهالة تنخفض بشدة في سطوعها، قبل أن ترتفع مرة أخرى لتلمع أكثر من ذي قبل.
قالت الفيزيائية إيرين كارا من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: “كنا نتوقع بأن تختلف تغيرات اللمعان بهذا الحجم وفقا للمقاييس الزمنية بدءا من عدة آلاف إلى ملايين السنين، ولكن في حالة ذلك الثقب الأسود رأينا أنه يتغير بمعدل 10000 مرة في السنة، بل إنه تغير بمعدل 100 مرة في ثماني ساعات وذلك أمر غير مألوف ومحير”.
تتكون المنطقة المحيطة بالثقب الأسود من عدة مكونات ومنها أفق الحدث الذي يسمى بنقطة اللا عودة، وعندها لا تكفي حتى سرعة الضوء للوصول لسرعة الهروب من سحبه الجاذبي، ويحتوي الثقب الأسود النشط أيضًا على قرص تراكمي وهو قرص ضخم مكون من المواد التي تحول نحو الثقب الأسود لولبيًا، ويوجد الإكليل على مقربة من أفق الحدث حول الحافة الداخلية للقرص التراكمي.
الإكليل هو منطقة من الإلكترونات المحفزة والمفعمة بالطاقة التي يُعتقد أنها تغذى بالطاقة بواسطة المجال المغناطيسي للثقب الأسود الذي يعمل كالمسرع الدوراني التزامني لتسريع الإلكترونات لتصل إلى طاقات عالية لدرجة أنها تتألق ضمن الأطوال الموجية لطيف الأشعة السينية.
لاحظ علماء الفلك لأول مرة شيئا غريبا يحدث ضمن المجرة 1ES 1927+654 عام 2018، عندما اكتشف المسح الآلي الفضائي الشامل للمستعرات الأعظمية -وهو مسح آلي يبحث عن ومضات الضوء الساطعة عبر السماء بأكملها- توهجا ساطعا بشدة من المجرة، وكان ذلك السطوع أشد بمقدار 40 مرة من سطوعه الطبيعي.
وشد ذلك انتباه علماء الفلك الذين عينوا مجموعة من التلسكوبات نحو المجرة لمعرفة المزيد، ولوهلة كان كل شيء طبيعيا ولكن بعد ذلك بنحو 160 يوما من التوهج، بدأ مركز مجرة 1ES 1927+654 بالإعتام وبعد مرور 40 يوما خمد توهج الأشعة السينية كليا.
وقالت كارا: “بعد أن رأينا بالمسح الآلي الفضائي الشامل للمستعرات الأعظمية، أنها تمر بهذا الوهج الشديد الضخم، شاهدنا أيضا اختفاء الإكليل الذي أصبح غير قابل للكشف في ظاهرة جديدة من نوعها فريدة”.
ولكن بعد ذلك بدأ السطوع بالتزايد بثبات مجددا، وبعد 300 يوم من الوهج الأول، كان مركز المجرة يلمع 20 مرة أكثر مما كان عليه قبل الوهج الأول.
قال عالم الفيزياء الفلكية كلاوديو ريتشي من جامعة دييغو بورتاليس في تشيلي والمؤلف الرئيسي للدراسة: “لا نرى عادةً تفاوتات كتلك في الثقوب السوداء المراكمة”.
مقالات شبيهة:
البث المباشر للإعلان عن أول صورة للثقب الأسود – مقال محدث
لأول مرة صورة حقيقية للثقب الأسود فائق الكتلة .. هل يوافق فرضيات آينشتاين وهوكينغ؟
«لقد كان غير مألوف لدرجة أننا ظننا بدايةً أنه قد كان هناك خطأ في البيانات، لكن عندما تبين أنها حقيقية أصبح الأمر شيقا جدا، ولم تكن لدينا أيضا فكرة عما نتعامل معه؛ لم ير أي شخص نعرفه أي شيء من هذا القبيل”.
علماء الفلك ليسوا متأكدين تماما من كيفية تكون أكاليل الثقوب السوداء وتغذيتها بالطاقة، ولكن إن صحت النظرية وكان لها علاقة بالمجالات المغناطيسية للثقب الأسود، فإن التغييرات المتسارعة التي لوحظت في الثقب الأسود في مجرة 1ES 1927+654 قد تكون ناتجة عن شيء يزعزع تلك المجالات المغناطيسية.
نعلم أن الثقوب السوداء قد تتغير بسرعة كبيرة عندما تلتقط وتلتهم نجما يقترب منها بما فيه الكفاية ليلقى حتفه.
يُمزَّق النجم خلال عملية تسمى الاختلال المدي، ويشع وهجا من ضوء ساطع، قبل أن يُبتَلع بعد أفق الحدث ليلقى مصيره المبهم.
وإن التقى نجم متنقل بالثقب الأسود في المجرة 1ES 1927+654، فقد تتناسب الأحداث التي قد تحصل مع التغييرات المرصودة في إشعاع الأشعة السينية.
يتعرض النجم أولًا لظاهرة الاختلال المدي ما يسبب التوهج الأول، بعد ذلك، قد يزعزع رفات النجم المجال المغناطيسي للثقب الأسود مؤقتا، وبعد ذلك يعيد تشكيل نفسه إذ يستقر الفضاء حول الثقب الأسود مجددا وتصبح حالته طبيعية أكثر.
وقد يكون ذلك دليلًا مهما لفهم النطاق الذي يتحكم ضمنه المجال المغناطيسي داخل الثقب الأسود بالإكليل.
وقالت كارا: “نستدل من ذلك أنه إذا حدث كل شيء ضمن نطاق الاختلال المدي، فإن هذا يعني أن تكوين المجال المغناطيسي الذي يدعم الإكليل يجب أن يكون ضمن ذلك النطاق، ما يعني أنه بالنسبة لأي إكليل طبيعي، فإن المجالات المغناطيسية ضمن هذا النطاق هي المسؤولة عن إنشاء الإكليل ذاته”.
إذا كان النجم مسؤولًا عن الحدث، فقد حسب الفريق أن الاختلال المدي كان يجب أن يحدث على بعد أربع دقائق ضوئية من مركز الثقب الأسود، ما يعادل نصف المسافة بين الأرض والشمس، ولكن قد يكون هناك سبب آخر للحدث الضوئي.
نحن نعلم أن أكاليل الثقوب السوداء قد تتفاوت بالسطوع، لكن ذلك التفاوت يحدث عموما على فترات زمنية أطول بكثير، ومن الممكن أن الحدث الضخم المرصود في مجرة 1ES 1927+654 هو أيضا سلوك طبيعي جدا، لكننا لم نكتشفه حتى الآن.
قالت كارا: “تحتوي مجموعة البيانات هذه على الكثير من الألغاز، لكن هذا شيق لأنه يعني أننا نتعلم شيئا جديدا عن الكون. نعتقد أن فرضية النجم هي فرضية جيدة، لكنني أعتقد أيضا أننا سنحلل هذا الحدث لفترة طويلة”.
نُشر البحث في مجلة The Astrophysical Journal Letters.
المصدر: https://www.sciencealert.com/for-the-first-time-we-ve-seen-a-black-hole-blink