كأن خبراً سيئاً واحداً لا يكفي، فالمرضى بسرطان الأنسجة الداعمة للمخ، يتلقون خبراً سيئاً آخر، عندما يعرفون أن الفترة المتوقعة للبقاء على قيد الحياة قد لا تتعدى 14 شهراً فقط، فهذه الأورام الوحشية التي تعرف باسم “الأورام الدبقية”، صعبة الكشف بواسطة جهاز الرنين المغناطيسي، كأنها أشباح، لا نستطيع رؤيتها إلا بعد فوات الأوان.
ويرجع هذا للحاجز الدموي الدماغي، الذي يعوق عبور المواد المسببة للتباين من الدخول وإضاءة خلايا الورم، لكن العلماء نجحوا مؤخراً في إجراء هندسة جينية لخلية دهنية ، استطاعت عبور الحاجز وتسليط الضوء على بؤر السرطان الخفية، كي يراها الأطباء.
المريض الورم الدماغي غالباً ما ينجو من الورم الأساسي بعد علاجه جراحياً أو إشعاعياً، لكن الفكرة هي أن ما يقتله فيما بعد هي الخلايا السرطانية التي تحملت العلاج في المرة الأولى، وكونت أوراماً جديدة متوحشة في أماكن أخرى في الدماغ، لا تستجيب للعلاج.
الشئ الأكثر تعقيداً في الأورام الدبقية، هو فكرة عدم ظهورها على صور جهاز الرنين المغناطيسي، بسبب الحاجز الدماغي، وهو عبارة عن غشاء واقي يحيط أوعية المخ، مانعاً 98 بالمئة من الجزيئات الدوائية من العبور إلى المخ، ما يمثل مشكلة في كثير من العلاجات، ولهذا، لا يظهر الورم، إلا عندما يبلغ حجماً كبيراً كفاية لخلخلة الغشاء الواقي للمخ، فتعبر المواد المسئولة عن التباين، ويظهر الورم في الصور، لكن للأسف، فإن ظهور الورم يأتي متأخراً جداً، بعد أن يفوت الأوان على إصلاح الدمار الذي تسبب فيه.
ما فعله الباحثون في كلية الطب في جامعة بنسلفانيا، هو أنهم وجدوا طريقة للكشف المبكر عن الأورام الخفية، عبر خلايا تعبر هذا الحاجز، عندما قاموا بتطوير نوع جديد من الخلايا الدهنية التي تحتوي بروتينات سطحها على مادة شهيرة لإحداث التباين، تسمى “ماجنيفيست”، وتقوم باستهداف مستقبلات خلايا الأورام الدبقية.
وجد الباحثون بعد ذلك، أن الخلية الدهنية المهندسة جينياً استطاعت اختراق الحاجز الدموي الدماغي الموجود في الفئران، واستطاعت بعدها أن تبحث عن خلايا الورم وتكشف وجودها في مراحلها المبكرة، ومع إنهم لم يفهموا حتى الآن الطريقة التي استطاعت بها هذه الخلية الدهنية فعل ذلك، إلا إنهم قالوا إنها آمنة الاستخدام، حيث لم يلاحظوا على الفئران أي ضرر من استخدامها.
إذا ثبت أن هذه الطريقة آمنة فعلاً، فإن هذه الخلايا الدهنية المتسللة سوف تقدم لنا مزايا إضافية عن استخدام الموجات فوق الصوتية لاختراق الحاجز الدموي الدماغي، وهي طريقة استخدمت لعبور هذا الغشاء وتوصيل العلاج الكيماوي للمخ، ومع إن هذه الطريقة قد نجحت بالفعل، إلا إن العلماء ما يزالون يشعرون بالقلق تجاه تمزيق الخلايا المتراصة بإحكام جنباً إلى جنب، حتى ولو بشكل مؤقت، فقد قال جيمس كونور، أستاذ جراحة المخ والأعصاب في جامعة بنسلفانيا معقباً على الأمر، أنه بالرغم من كل المزايا التي تحملها طريقة الموجات فوق الصوتية، إلا إنها تخرب الحاجز الدموي الدماغي، وفي نفس الوقت أصبح لدينا طريقة أخرى لعبوره دون إحداث أي اضطراب.