تعد ندرة المياه مشكلة رئيسية في أجزاء كثيرة من العالم، وهي تؤثر على جودة الحياة والبيئة والصناعة واقتصادات الدول النامية. كما تؤثر أيضا على عالمنا العربي، مما دعى الخبراء للحديث عن تحلية مياه البحر لإنقاذ الشرق الأوسط.
تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) واحدة من أكثر المناطق التي تعاني من ندرة المياه في العالم، حيث أن مشاكل إدارة المياه واضحة بالفعل في المنطقة، ففي الوقت الذي تتزايد فيه أعداد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل مطرد، من المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد من المياه بنسبة تزيد عن 40-50٪ بحلول عام 2050، ومن المحتمل أن يكون لتغير المناخ تأثير على الطقس وهطول الأمطار، مما قد يجعل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر جفافاً.
وتشهد تحلية المياه نموا كبيرا مع سعي الدول للحصول على حلول لندرة المياه الناجمة عن النمو السكاني وتغير المناخ والتلوث والتنمية الصناعية، بالإضافة إلى ذلك، قامت الصناعة بالكثير لخفض تكلفة تحلية المياه، وقد أدى التقدم التكنولوجي إلى زيادة كفاءة الطاقة، كما ساعدت وفورات الحجم على خفض التكاليف. غالبية الطاقة الجديدة المكلفة هي تحلية مياه البحر.
واعتبارا من 30 يونيو 2011، كان هناك 15،988 محطة لتحلية المياه في جميع أنحاء العالم وبلغت السعة الإجمالية لجميع المرافق في العالم 66.5 مليون متر مكعب في اليوم (م 3 / د)، أو ما يقرب من 17.6 مليار جالون أمريكي في اليوم.
تعتمد تقنيات تحلية مياه البحر على تنقية وفصل مياه البحر المالحة إلى كلّ من: المياه العذبة التي تحتوي على تركيز منخفض من الأملاح الذائبة، والمياه المالحة المركّزة، وتتطلّب هذه العملية نوعاً من الطاقة لتحلية المياه، كما أنّها تستخدم العديد من التقنيات المختلفة لعملية الفصل، ومن هذه العمليات التكنولوجية المنتشرة تجارياً:
عملية التقطير: التقطير هو عملية يتمّ فيها تبخير المياه الخام وتكثيفها كمياه عذبة، وهي عملية مستهلكة جداً للطاقة؛ لذلك تُستخدَم في الشرق الأوسط حيث يتوافر النفط، وهي عملية تتطلب الكهرباء.
عملية التناضح العكسي: يعتمد التناضح العكسي على نظرية الانتشار للمحاليل؛ وهي استخدام أغشية ذات نفاذية نسبية بحيث تسمح بمرور جزيئات الماء من خلالها، وتمنع مرور أي جزيئات أخرى فيها، وهذا أيضا يحتاج إلى كهرباء، حتى أفضل محطات التناضح العكسي تحتاج إلى 3.7 كيلووات / ساعة من الطاقة لإنتاج 1000 لتر من مياه الشرب.
تشير الأبحاث الحديثة إلى أننا نستطيع إنتاج كمية كبيرة من المياه العذبة بأقل من 1 كيلوواط ساعة من الكهرباء ، ولا نحتاج إلى مصدر طاقة آخر مدفوع، وهذه العملية تغذيها تدرجات تركيز الملوحة بين الأوعية المختلفة من المحاليل الملحية. هذه الملوحة المختلفة تنتج عن التبخر، وتبدأ العملية عن طريق رش مياه البحر إلى بركة ضحلة ذات قاع أسود، حيث تمتص الحرارة من الجو، ويزيد التبخر الناتج من تركيز الملح في الماء من مستواه الطبيعي البالغ 3.5٪ إلى 20٪. وتستخدم بعد ذلك مضخات الضغط المنخفض لتوجيه مياه البحر المركزة هذه، إلى جانب ثلاثة تيارات أخرى من مياه البحر غير المعالجة، إلى وحدة التحلية.
آفاق لمنطقة الشرق الأوسط
توفر تحلية مياه البحر التي تعمل بالطاقة المتجددة فرصة جذابة لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لضمان إمدادات المياه العذبة بأسعار معقولة ومستدامة وآمنة، وتمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إمكانات هائلة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والتي يمكن استخدامها بفعالية في عمليات تحلية المياه، وتوفر الطاقة الشمسية المركزة (CSP) خيارًا جذابًا لتشغيل محطات تحلية المياه الصناعية على نطاق واسع والتي تتطلب كلاً من السوائل ذات درجة الحرارة المرتفعة والكهرباء.
لقد بدأت إمكانات الطاقة المتجددة في الظهور بجدية أكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مدفوعة بزيادة سريعة في استخدام الطاقة، ومعدلات عالية للتغطية، وقوة عاملة شابة وقوية، وزيادة الوعي بتكاليف حرق الموارد الطبيعية، ولدى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وتونس والمغرب أهداف طموحة لتوليد الطاقة الشمسية بالإضافة إلى سياسات وأطر تنظيمية متطورة لدعم هذه الأهداف، ويجري الآن نشر بعض المشاريع الإيضاحية في بعض البلدان، بينما يجري نشر مشاريع واسعة النطاق في بلدان أخرى.
استنتاج
لقد أصبح الطلب على المياه وإمداداتها قضية دولية بسبب عدة عوامل: الاحترار العالمي، وانخفاض مستوى الأمطار السنوي، وارتفاع أعداد السكان خلال العقود الماضية، وارتفاع مستويات المعيشة، والتوسع الصناعي والزراعي، وأصبحت المياه العذبة من الأنهار وموارد المياه الجوفية محدودة، وتوجد احتياطيات ضخمة من المياه العذبة في أماكن عميقة حيث تشكل القضايا الاقتصادية والجيولوجية العقبات الرئيسية.
وبالتالي، فإن المنافسة للحصول على هذا السائل الحيوي والبحث عن مصادر أكثر جدوى واقتصادية يمكن أن تحسن من الطلب الحالي المرتفع في العالم، وتجنب القيود المفروضة على المياه والانقطاعات.
ويبدو أن تحلية مياه البحر بالطاقة المتجددة هي بديل ممتاز للحصول على المياه العذبة والكهرباء في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.