عالم النمل عالم عجيب وغريب، ولطالما أثار فضولنا كبشر، فهذه المخلوقات الصغيرة ترتبط في ذاكرتنا بالعمل الدؤوب و النظام و التفاني، وكلها مقومات نحتاجها في عالمنا الإنساني، وكثيرا ما نفتقدها.
ولعل المتأمل لعالم النمل المنظم إلى درجة تثير الإعجاب، سيلاحظ أن هذه المخلوقات تتكثل في ظروف معينة لتشكل محطات مخصصة، وقد يتسائل عن سبب هذا التكثل.
للإجابة على هذا السؤال قام باحثون متخصصون بمراقبة النمل ليكتشفوا أن النمل يلجأ إلى هذه الحيلة في وقت الأزمات، حيث أن مجتمعات النمل معروفة بالاتحاد والتضامن لمحاربة العدو بغض النظر عن هذا العدو ومدى قوته، ففي عالم النمل لا مكان للجبن أو الهرب.
واكتشف العلماء أنه في ظل الأزمات تلجأ مجموعات النمل إلى تشكيل محطات مخصصة من خلال ربط أجسادها معا في شكل منظم ومرتب.
ولكن هذه الخاصية تبرز بشكل أكبر لدى نوع واحد من النمل وهو نمل فورميكا selysi الذي يعيش في وسط وجنوب أوروبا، حيث أن هذا النمل يفضل بناء منازله على طول الأنهار، لذلك فإنه يحتاج إلى أن يكون مستعدا للفيضانات.
وعندما يرتفع الماء من حوله، يتشبث النمل ببعضه ليشكل مجموعة كبيرة، أشبه بطوف تتوسطه الملكة التي عادة ما تكون في مركز الطوف وكذا الصغار، ويشكل باقي النمل أجزاءه الأخرى.
وأراد نفس الباحثين معرفة ما إذا كانت هناك أدوار أخرى لهذه المحطات أو المجموعات الكبيرة، لذلك وبقيادة طالب الدراسات العليا أموري أفريل من جامعة لوزان في سويسرا، قاموا بجمع النمل من 25 مستعمرة تعيش على طول نهر الرون.
وفي المختبر، استخدم الباحثون الألوان الزاهية من الطلاء لإعطاء علامات فريدة لبعض من النمل، ثم وضعوا مجموعة من النمل في صناديق بلاستيكية واضحة وتم غمرها بالمياه ببطء، وعندما أدرك النمل ما كان يحدث شكل طوافات وصورت الكاميرات المواقف التي اتخذها النمل، بعد تعريض المجموعتين للفيضانات ثلاثة أيام متثالية.
والغريب أن الباحثين اكتشفوا أن هذه المحطات لا تتشكل بشكل عشوائي بل توضع وفق نظام معين، ووفق منزلة النمل ومنصبه في المستعمرة، وكل نملة تعرف جيدا مكانها وما عليها القيام به في هذه الحلقة العجيبة اعتمادا على حجمها ومكانتها في المستعمرة.