من بين ما يقدر بـ 228 مليون حالة إصابة بالملاريا في جميع أنحاء العالم كل عام، يوجد حوالي 93 ٪ منها في إفريقيا، وتنتشر الوفيات -جغرافيا- بنفس النسبة تقريبا، علما بأن عدد الوفيات يصل إلى 405 آلاف حول العالم سنويًا.
لهذا السبب هناك جهود ضخمة جارية لتقديم خرائط مفصلة لحالات الملاريا الحالية في أفريقيا، والتنبؤ بالمناطق التي ستصبح أكثر عرضة للإصابة في المستقبل، لأن مثل هذه الخرائط ضرورية للسيطرة على انتقال العدوى ومعالجتها.
كما يمكن لسكان البعوض الاستجابة بسرعة لتغير المناخ، لذلك من المهم أيضًا فهم ما يعنيه الاحترار العالمي لمخاطر الملاريا في جميع أنحاء القارة.
نُشرت مجموعة جديدة من الخرائط الدقيقة في مجلة “نيتشر كوميونيكيشن” عن الأماكن التي يُتوقّع أن تصبح مناسبة أو غير مناسبة لانتشار الملاريا بسبب مناخها.
يتكاثر طفيل الملاريا في البيئة الدافئة والرطبة، وتتحكم درجة الحرارة في أجزاء من دورة الانتقال متضمنةً بذلك عمر البعوضة ومراحل تطورها وقدرتها على اللسع.
فإذا كانت درجة الحرارة مرتفعة جدا أو منخفضة جدا فلن تستطيع الطفيليات أو البعوض الناقل لها البقاءَ على قيد الحياة، ويعَد نطاق درجة الحرارة هذا ثابتًا نسبيًا، وهو أساس التوقعات الحالية لتأثير التغيرات المناخية على الملاريا.
ومع ذلك، فإن المياه السطحية مهمة بنفس القدر لأنها توفر موطنًا للبعوض ليضع بيضه، ففي حين أن المياه المتدفقة في الأنهار الكبيرة لا توفر موطنا مناسبًا لليرقات للبعوض الأفريقي، فإن المسطحات المائية الصغيرة القريبة، مثل البرك والمستنقعات مناطق مثلى، بالإضافة إلى المياه الراكدة نتيجة للأمطار أو فيضان الأنهار ثم انحسارها أو ري المزروعات.
ولكن التحدي يكمن في صعوبة تحديد مناطق المياه الراكدة في المستقبل، إذ تتغير مستويات الأنهار في بداية كل موسم، وتتكون برك وتختفي أخرى.
استخدمت نماذج قديمة معدلات هطول الأمطار للتنبؤ بسهولة انتقال الملاريا في جميع أنحاء أفريقيا ومعرفة أعداد المواطن التي ستتكون للبعوض لوضع بيضه، لكن هذا النموذج يدرس تشكٍُل المسطحات المائية بتفصيل أكثر، وبدمج هذه المعلومات سنلاحظ نمطًا مختلفًا في المستقبل.
ما بعد هطول الأمطار
إذا كانت الأمطار غزيرة في المناطق المدارية، فقد تصبح موطنا مناسبا لتكاثر البعوض، وتصبح المنطقة عرضةً لانتقال الملاريا، وتعد مناسبة من الناحية المناخية إذا كانت درجة حرارتها تقع في النطاق المناسب لانتشار الملاريا.
وقد لا نشهد اليوم انتقال الملاريا -ربما لأنه قُضي على المرض- لكن المناخ في طريقه ليصبح مناسبًا لانتشار الملاريا على ما يبدو.
تعد هذه مقاربة جيدة، لكنها على سبيل المثال لا تمطر كثيرًا في الجزء الممتد على طول نهر النيل، ومع ذلك ينتشر هناك الكثير من البعوض، ونعلم أن الملاريا كانت منتشرة في مصر القديمة.
قد تتبخر مياه الأمطار أو تتسرب إلى التربة أو تمتصها النباتات أو تتدفق إلى الأنهار، ولأن هطول الأمطار لا يتطابق مع كمية المياه الموجودة على السطح، ظهرت الحاجة إلى طريقة جديدة في النموذج.
مقالات شبيهة:
العلماء يكتشفون ميكروبا يوقف نشر البعوض لمرض الملاريا
طائرات بلا طيار تستهدف الملاريا!
نمط أكثر تعقيدًا
استُخدم نموذج هيدرولوجي على النطاق القاري لمعرفة أماكن توافر المياه السطحية وقد أبرز ذلك نمطًا أكثر تعقيدًا وأكثر واقعية، وبعكس نموذج معدلات الهطول، يسلط هذا النموذج الضوء على الممرات النهرية بوصفها نقاطًا محورية لانتقال العدوى على مدار السنة، ويوضح النموذج أن بعض المناطق التي لم تكن مذكورة في النماذج القديمة تعد أماكن مناسبة لانتقال الملاريا.
وعليه، يشمل التوقع نهر النيل بأكمله حتى الساحل الشمالي لأفريقيا، لأن التقديرات المبنية على الملاحظات التاريخية لتفشي الملاريا تدعم ذلك. وكذلك الأمر لنهري النيجر والسنغال ونهري ويبي جوبا وويبي شابيلي في الصومال، إذ تتجاوز النطاقات الجغرافية للمناطق المناسبة مناخيا لهذه الأنهار النطاقات المحددة قديما، وهذه التنبؤات مهمة للسكان لأن الناس يميلون للعيش بالقرب من هذه الأنهار.
عندما نقارن بين توقعات النموذج المائي المناخي وتوقعات النماذج السابقة نجد اختلافات، فكلاهما يشير إلى تغيرات صغيرة في المساحة الإجمالية للقارة حتى عام 2100 حتى في ظل ظاهرة الاحترار العالمي. ولكن، لوحظ تحول كبير في المناطق المناسبة لانتقال العدوى عند التركيز على عمليات الهيدرولوجيا، وقد كانت المناطق المتوقعة للتغيير مختلفة تمامًا.
على سبيل المثال في جنوب أفريقيا يتوقع هذا النهج أن تصبح المنطقة على طول نهري كاليدون وأورانج إلى الحدود مع ناميبيا أكثر عرضة لانتشار الملاريا بدلًا من أن تتركز في المنطقة الشرقية الواقعة على ليسوتو، ولم تعُد الأجزاء الجنوبية من أفريقيا -خاصةً في بوتسوانا وموزمبيق- قليلة الملاءمة لانتقال العدوى كما كان الوضع سابقًا بسبب الجفاف.
من ناحية أخرى فإن غرب أفريقيا وجنوب السودان أصبحا أقل ملاءمة لانتقال الملاريا.
عند رسم توجه المياه في المناطق الطبيعية بواقعية أكثر، تنتج أنماط مختلفة لملاءمة انتقال الملاريا في الحاضر والمستقبل، وهذه خطوة أولى فقط، ويوجد الكثير مما يمكننا القيام به لمعرفة مدى ملاءمة المناطق لانتقال الملاريا، ويعد التحدي الآن في تطوير خريطة على النطاقات المحلية التي ستحتاجها وكالات الصحة للمساعدة في مكافحة المرض.