أظهرت الدراسات أن معدلات الانتحار بين العاملين في مجال الرعاية الصحية آخذة في الارتفاع، في الولايات المتحدة الأمريكية.
معدلات الوفاة عن طريق الانتحار في عامة الناس في الولايات المتحدة آخذة في الازدياد، وقد أفاد المعهد الوطني للصحة العقلية في عام 2017 أن الانتحار كان السبب الرئيسي العاشر لوفاة الذكور والرابع عشر للإناث،وكان هذا هو السبب الرئيسي الثاني لوفاة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 34 عاما، وهم فئة عمر شائعة لطلاب الطب والمقيمين.
عند المقارنة مع عامة السكان، فإن معدلات الوفاة عن طريق الانتحار أعلى بكثير بين الأطباء، وخاصة من النساء.
في الولايات المتحدة، يموت ما يتراوح بين 300 و 400 من طلاب الطب والمقيمين والأطباء الممارسين بالانتحار سنويا، ولا تؤثر وفيات الأطباء على أسر وأصدقاء الأطباء الذين ينهون حياتهم فحسب، بل تؤثر على الآلاف من المرضى والممرضات وموظفي الدعم وغيرهم.
في يناير من هذا العام، أرسل مجلس الاعتماد للدراسات الطبية العليا رسالة إلكترونية إلى الأعضاء متمنياً للجميع “سنة جديدة سعيدة وصحية”، تضمنت المذكرة أيضا تذكيرًا بأن الربع الثالث من العام الدراسي، الذي يبدأ في يناير، هو ثاني أكبر فترة من خطر الانتحار للمقيمين والزملاء.
لعام 2020، يبدأ الربع الثالث من العام الدراسي قريبا، مع إدراك أن الأطباء معرضون لخطر الإرهاق والاكتئاب بشكل متزايد، أدخل المجلس معايير جديدة، وفي متطلبات البرنامج المشترك المحدّثة، عرّف “رفاهية” الأطباء لتشمل أنهم “يحتفظون بالبهجة في الطب أثناء إدارة الضغوط الواقعية الخاصة بهم”.
تقوم كليات الطب وبرامج التدريب على الإقامة والمستشفيات في جميع أنحاء البلاد بتنفيذ “مبادرات الصحة” بدرجات متفاوتة، والعديد من المنظمات التابعة طبيا لديها برامج مخصصة لمعالجة العافية.
وتؤكد الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال على الحاجة إلى معالجة الحياة الاجتماعية والعاطفية للأطباء، وكذلك الحاجة إلى مساعدتهم في الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة وتجنب الإرهاق.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الإرهاق هو “متلازمة يتم تصورها على أنها ناتجة عن الإجهاد المزمن في مكان العمل والتي لم تتم إدارتها بنجاح” وتشير بالتحديد إلى السياق المهني أو مكان العمل وليس للتجارب في مجالات أخرى [شخصية] من الحياة.
فعلى سبيل المثال، لتخفيض معدلات الإرهاق في مستشفى جامعة راش للأطفال، تم إطلاق دورة العافية لمدة أربعة أسابيع في عام 2017 للسنة الثانية من التدريب، وقبل إطلاق هذه الدورة، كانت نسبة الإرهاق التي أبلغ عنها بين الأطباء المقيمين والطلاب 80٪، وفي عام 2018، أبلغ عن انخفاض معدلات الإرهاق من 80 في المائة إلى 30 في المائة.
لا شك أن دورة العافية لمدة أربعة أسابيع ليست هي الحل لوباء الإرهاق الذي يعاني منه الطبيب والاكتئاب والانتحار، ولكنها بداية جيدة.
وقال الدكتور ديبيكا تانوار من برنامج الطب النفسي في مستشفى هارلم في نيويورك، إنه من المدهش جداً أن يكون معدل الانتحار بين الأطباء أكثر من أولئك الذين يخدمون في الجيش، والذي يعتبر مهنة مرهقة للغاية، حيث إن معدل الانتحار بين الأطباء الذكور أعلى بـ 1.41 مرة من عامة السكان، و بين الأطباء الإناث، فإن المعدل هو 2.27 مرة مقارنة مع عامة السكان.
مقالات شبيهة:
وأوضح الباحثون أنه قبل وفاتهم، تم تشخيص العديد من الأطباء الذين قاموا بالانتحار بمشاكل تعاطي المخدرات، أو اضطرابات المزاج أو الاكتئاب – لكنهم فشلوا في طلب العلاج بسبب وصمة العار القوية كونهم أطباء.
ووجدت دراسة أجريت عام 2017 من قبل مايو كلينيك أن 40% من الأطباء يعارضون السعي للحصول على العلاج أو المساعدة في قضايا الصحة العقلية بسبب الخوف من أن يعرضوا الرخصة الطبية للخطر.
كما أظهرت إحدى الدراسات أن الاكتئاب يؤثر على ما يقدر بنحو 12 ٪ من الأطباء الذكور وما يصل إلى 19.5 ٪ من الأطباء، وهو معدل مماثل للعموم السكان.
الاكتئاب أكثر شيوعا بين طلاب الطب والمقيمين، حيث تبين أن حوالي 15 ٪ إلى 30 ٪ لديهم أعراض الاكتئاب.
ويشير الباحثون إلى أن اضطرابات المزاج بين العاملين في مجال الرعاية الصحية لا تقتصر على أمريكا الشمالية، فقد أظهرت دراسات من فنلندا والنرويج وأستراليا وسنغافورة والصين وأماكن أخرى زيادة في القلق والاكتئاب والأفكار الانتحارية بين طلاب الطب والمتخصصين في الرعاية الصحية.
وقالت الباحثة ” ديبيكا تانوار”، إن وصمة العار تشكل عقبة رئيسية أمام السعي للحصول على العلاج الطبي.
ووجدت دراسة واحدة في عام 2016 أن 50٪ من الأطباء الإناث اللواتي أكملن الاستبيان على الفيسبوك ذكرن أنهن يستوفين معايير اجتماع لاضطراب عقلي، لكنهن كنّ يترددن في طلب المساعدة المهنية بسبب الخوف من وصمة العار.
أظهرت الدراسة الجديدة أن التسمم والشنق من بين أكثر الوسائل الشائعة لانتحار الأطباء، وتشير النتائج أيضا إلى أن المعرفة وإمكانية الوصول إلى المواد التي يحتمل أن تكون مميتة تمثل المعدل الأعلى لاستكمال الانتحار في الأطباء.
ووفقا للأكاديمية الوطنية للطب، فإن أكثر من نصف الأطباء الأميركيين يعانون من الإجهاد أو ما يعرف بالاحتراق النفسي، الذي يكون مرفقا بالشعور بالإرهاق العاطفي الشديد وعدم تحقيق الإنجازات الشخصية.
وأشارت الأكاديمية إلى وجود صلة بين عدم رضا الأطباء والرعاية التي قدموها للمرضى، كما أظهرت الدراسات أن الإرهاق يؤثر سلبا على أداء الأطباء المهني، ويزيد من احتمال مواجهتهم لدعاوى قضائية بتهمة سوء الممارسة الطبية، وذلك وفقا لتقرير بمجلة “سايكولوجي توداي”.
ويعد الاحتراق النفسي السبب الرئيسي في زيادة نسبة الأخطاء الطبية وشكاوى المرضى، بالإضافة إلى إصابة الأطباءبالاكتئاب وارتفاع حالات الانتحار. وحسب إحدى الدراسات، فإن الممرضين أيضا معرضون للإصابة بالاكتئاب والاحتراق النفسي.
جدير بالذكر أن الإرهاق هو أحد الأعراض، وليس المشكلة، ويحتاج طلاب الطب والأطباء إلى وقت للمشاركة في أنشطة الرعاية الذاتية والسعي للحصول على مساعدة الصحة العقلية دون تعريض رخصتهم وسمعتهم وقدرتهم على ممارسة الطب للخطر.