تعاني جنوب إفريقيا من قلة المياه منذ قرون، وكان الحصول على المياه النظيفة للجميع أحد المشاريع الكبرى في جنوب إفريقيا الجديدة، وقد حققت البلاد تقدما في هذا المجال، لكن سوء الإدارة والجفاف غير العادي يزيدان من عدم المساواة الاجتماعية.
خلال الفصل العنصري، كانت المياه تعتبر ملكية للسكان البيض، وكان المزارعون مترددين في استخدام الأنهار التي تعبر ممتلكاتهم لري المحاصيل بغض النظر عما إذا كان عمال المزارع وأسرهم الذين يعيشون هناك يحصلون على المياه النظيفة.
وكان سكان المناطق الحضرية الميسورون يسارعون في ملء أحواض السباحة الخاصة بهم متجاهلين حقيقة أن النساء في البلدة المجاورة يضطرن إلى المشي لأميال لجلب علبة من الماء لتلبية احتياجات الأسرة اليومية، كما ألقت شركات التعدين المياه الحمضية والملوثة في البرية دون اعتبار للتأثير الكارثي على البيئة.
للتعويض عن نقص المياه، لم تتردد جنوب إفريقيا في جمع المياه من دولة ليسوتو المجاورة، فهذه المملكة الصغيرة غير الساحلية في وسط جنوب إفريقيا، كانت ترسل رجالها للعمل في مناجم جنوب إفريقيا لعصور وكل اقتصادها يعتمد على الجار القوي.
ولتزويد جنوب إفريقيا بالمياه، تم إطلاق مشروع ضخم، هو مشروع ليسوتو للمياه في المرتفعات، في سلسلة جبال مالوتي حيث تم بناء سدين وسحب نظام من الأنفاق والخزانات إلى نهر فال في جنوب أفريقيا.
في مايو 2013، تم إبرام اتفاق بين البلدين لبناء سد آخر، والخزانات ومحطات الضخ وخطوط الأنابيب لجلب المزيد من المياه إلى جنوب أفريقيا.
يعترف دستور جنوب إفريقيا بحق كل شخص في الحصول على المياه، وينص قانون المياه لعام 1998 على أن الحكومة هي “الوصي العام” على موارد المياه في البلاد ويجب أن تضمن حماية المياه واستخدامها وتطويرها وحفظها وإدارتها، وتسيطر عليها بطريقة عادلة ومستدامة، لصالح الجميع، وكانت المهمة الوحيدة لوزارة المياه هي ضمان الإدارة السليمة للمياه، وقد تم دمج هذه الوزارة اليوم في وزارة أكبر تدير الإسكان والماء والصرف الصحي.
وعد برنامج التنمية وإعادة التوزيع الذي وضعه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قبل وصوله إلى السلطة وخلال ولاية نيلسون مانديلا، بتوفير نقطة لمياه الشرب على بعد أقل من مائتي متر من المنازل.
في حين أنه قبل عام 1994 بالكاد كان 40 ٪ من السكان يحصلون على مياه الشرب، ارتفعت هذه النسبة في عام 2007 إلى 87 ٪، ورغم التحسن الكمي اللافت للنظر، فإن المشاكل بعيدة عن الحل فيما يتعلق بنوعية المياه.
نشأت مسألة صيانة الشبكات والمنشآت بسرعة بسبب نقص الموظفين المؤهلين وسوء إدارة المسؤولين المنتخبين المحليين، وما زالت مسألة معالجة مياه الصرف الصحي تمثل مشكلة كبيرة في معظم البلدات.
مقالات شبيهة:
لنتعلم من تجربتهم: كيف تحاول جنوب أفريقيا الحد من الجفاف؟
جنوب إفريقيا: شكوى ضد الحكومة بسبب “مستويات التلوث القاتلة”
خلصت الدراسة التي أجرتها لجنة أبحاث المياه إلى أن البلاد لديها احتياطيات مياه أقل بنسبة 4 ٪ من التقديرات التي أجريت في عام 1995.
قال مدير الدراسة برايان ميدلتون: “إننا نتصرف كدولة غنية بالمياه، ونحن لسنا كذلك، ففي الواقع، نحن دولة شبه قاحلة وأمطارنا أقل من المتوسط العالمي، لذلك فعلى العديد من قطاعات النشاط مثل الزراعة والغابات وإنتاج الكهرباء والصناعة مراجعة استراتيجيتها لاستخدام المياه.
بإعلان أن جنوب إفريقيا كانت “دولة تهدر المياه”، أكد ليندوي سيسولو، وزير الإسكان والمياه والصرف الصحي الذي قدم، في 3 ديسمبر، للصحافة الجزء الثاني من الخطة لعكس آثار الجفاف، ما يقوله الخبراء لسنوات: تستخدم جنوب إفريقيا المياه كما لو أن المورد لا ينضب، بينما في عام 2030 سيتعين عليها أن تواجه عجزا يقدر بـ 17٪.
يبلغ متوسط الاستهلاك اليومي اليوم 237 لترا من المياه، أي 67 لترا أكثر من المتوسط العالمي، لكن هذه الأرقام تمحو حقيقة عدم المساواة في الحصول على مياه الشرب: 64 ٪ فقط من الأسر لديها إمكانية الحصول على مياه الشرب بشكل منتظم، أي ثلاثة ملايين شخص لا تزال المياه تشكل مصدر قلق يومي لهم.
وتعاني مقاطعة كيب الشرقية، واحدة من أفقر المناطق في جنوب إفريقيا والتي تضم بانتوستان القديمة لسيسكي وترانسكي، والتي أنشأها نظام الفصل العنصري باسم التنمية المنفصلة،من وضع مأساوي بشكل خاص.
ووفقا لخدمات الطقس خلال شهري سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر 2019، والتي تتوافق مع الربيع الجنوبي، فقد حصلت المنطقة على نسبة تساقط أقل بنسبة 30٪ عن المعتاد وكانت درجات الحرارة في الربيع مرتفعة بشكل غير طبيعي، كما أن توقعات الصيف ليست مشجعة وقد انخفض منسوب المياه في السدود الثمانية والخزانات بنسبة 10 ٪.
في مقاطعة ليمبوبو، وهي مقاطعة ريفية في معظمها، لم يحصل سكان مقاطعة سيخوخون التي تعيد تجميع عدة قرى، على مياه شرب منذ عام 2009 ويتعين عليهم الذهاب إلى النهر المليء بالتماسيح للحصول على المياه، وقد تقدموا بشكوى ضد البلدية التي يجب أن تزودهم بمياه الشرب، لكن الأخيرة لم تستجب لمطالبهم.