هذه المقالة محدثة عن مقالة اخرى نشرت في ٢٠١٦ عن الذكاء الاصطناعي وتعلم الالة والفرق بينهما.
ومع دخول تعلم الالة والذكاء الاصطناعي جميع مناحي الحياة من حولنا تقريبا، يجب علينا أن نعرف بعض التفاصيل عن الفرق بينهما.
أصبح كل من الذكاء الاصطناعي (AI) و تعلم الالة (ML) من المصطلحات الطنانة والمنتشرة جداً في الوقت الحالي، ويبدو بأنه في كثير من الأحيان يتم استخدامهما بالتبادل للإشارة إلى أحدهما بالآخر، ولكن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي ليسا الشيء نفسه تماماً، وذلك على الرغم من أن المهام التي يمكن أن يؤديها كل منهما قد تؤدي أحياناً إلى بعض الارتباك.
قد يأتي ذكر كلا المصطلحين كثيراً عندما يكون الموضوع متعلقاً بالبيانات الكبيرة والتحليلات والموجات الواسعة من التغيّر التكنولوجي التي تجتاح عالمنا في الوقت الحاضر، ولكن باختصار، فإن الذكاء الاصطناعي هو مفهوم واسع من قدرة الآلات على تنفيذ المهام بطريقة نعتبرها “ذكية”، في حين أن التعلم الآلي هو تطبيق حالي للذكاء الاصطناعي يدور حول فكرة أنه ينبغي لنا إعطاء الآلات إمكانية الوصول إلى البيانات والسماح لها بالتعلم بأنفسها.
الأيام الأولى – الذكاء الصناعي
كان الذكاء الاصطناعي موجوداً منذ فترة طويلة – فالأساطير اليونانية تحتوي على قصص لرجال ميكانيكيين مصممين لتقليد سلوكنا- كما كان يعتقد بأن أجهزة الكمبيوتر الأوروبية الأولى هي “آلات منطقية”، وكان المهندسون يرون بأن عملهم يتمحور حول خلق عقول ميكانيكية من خلال تمكين الآلات من استنساخ قدرات معينة مثل العمليات الحسابية الأساسية والذاكرة.
مع تطور التكنولوجيا، وتقدم فهمنا لكيفية عمل عقولنا، تغير مفهومنا لكيفية تشكيل الذكاء الاصطناعي، فبدلاً من زيادة العمليات الحسابية المعقدة، تركز العمل في مجال الذكاء الاصطناعي على محاكاة عمليات صنع القرار الإنساني وتنفيذ المهام بطرق أكثر بشرية من أي وقت مضى.
المياه والتقنية .. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في حل مشاكل المياه
غالبا ما يتم تصنيف الذكاء الاصطناعي – الأجهزة المصممة للعمل بذكاء- ضمن مجموعتين أساسيتين، وهما التطبيقية أو العامة، والجدير بالذكر أن الذكاء الاصطناعي التطبيقي هو الأكثر شيوعاً – كالأنظمة المصممة للقيام بأعمال تبادل الأسهم والأوراق المالية التجارية بذكاء، أو مهام المناورة في وسائل النقل المستقلة ذاتياً.
من جهة أخرى، فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي العامة – الأنظمة أو الأجهزة التي يتم تصميمها من الناحية النظرية للتعامل مع أي مهمة – هي الأقل شيوعاً، ولكن معظم التقدم التكنولوجي المثير للاهتمام يقع ضمن هذه الفئة، وهي أيضاً الفئة التي أدت إلى تطوير التعلم الآلي.
صعود تعلم الالة
أدى ظهور اكتشافين مهمين لجعل التعلم الآلي يبدو كوسيلة لدفع عجلة تطور الذكاء الاصطناعي نحو الأمام بالسرعة التي يمتلكها حالياً، وأحد هذين العاملين كان بفضل (آرثر صموئيل) الذي توصل في عام 1959 إلى أنه بدلاً من تعليم أجهزة الكمبيوتر كل ما تحتاج لمعرفته حول العالم وكيفية تنفيذ المهام ضمنه، فقد أصبح بالإمكان تعليمها أن تعلم أنفسها بنفسها، أما الثاني، والذي ظهر في الآونة الأخيرة، كان ظهور شبكة الإنترنت، والزيادة الهائلة في كمية المعلومات الرقمية التي يتم توليدها وتخزينها وإتاحتها للتحليل.
بمجرد ظهور هذه الاكتشافات، أدرك المهندسون أنه بدلاً من تعليم الكمبيوتر والآلات كيفية القيام بكل شيء، فإنه سيكون من المجدي أكثر ترميزها لكي تفكر مثل البشر، ومن ثم توصيلها إلى الإنترنت لإعطائها إمكانية الوصول لجميع المعلومات في العالم.
الشبكات العصبية
كان تطوير الشبكات العصبية عاملاً رئيسياً في تعليم الكمبيوتر كيفية التفكير وفهم العالم بالطريقة التي نقوم بها بذلك بأنفسنا، وذلك مع الإبقاء على مزايا الكومبيوتر المتفوقة علينا مثل السرعة والدقة وعدم التحيز.
الشبكات العصبية هي عبارة عن نظام حاسوبي مصمم للعمل من خلال تصنيف المعلومات بنفس الطريقة التي يقوم فيها الدماغ البشري بذلك، ويمكن أن تكتسب هذه المعلومات من خلال التلقين أو الإدراك، مثال تصنيف الصور تبعاً للعناصر التي تحتوي عليها.
في الأساس، تعمل الشبكات العصبية وفق نظام الاحتمالات، فاعتماداً على البيانات المدخلة إليها، تكون قادرة على الإدلاء ببيانات أو قرارات أو تنبؤات مع وجود درجة من اليقين، كما أن إضافة حلقة تغذية مرتدة يمكن أن يفعّل عملية التعلم فيها، فمن خلال إشعارها أو إخبارها ما إذا كانت قراراتها صحيحة أو خاطئة، يمكن للآلة أن تعدل من النهج الذي ستعتمده مستقبلاً.
يمكن للتطبيقات تعليم آلة كيفية قراءة نص ومعرفة ما إذا كان الشخص الذي كتب ذلك النص يقصد منه تقديم شكوى أو تقدم التهاني، كما ويمكنها أيضاً الاستماع إلى مقطوعة موسيقية، وتقرير ما إذا كانت هذه المقطوعة ستجعل الأشخاص سعداء أم حزينين، والعثور على مقطوعات موسيقية أخرى لتتناسب مع الحالة المزاجية للشخص، وفي بعض الحالات، يمكنها حتى تأليف الموسيقى الخاصة بها التي تعبر عن ذات المواضيع، أو التي ستنال ا على الأرجح اعجاب معجبي القطعة الأصلي.
هناك الكثير من الإمكانيات التي توفرها الأنظمة القائمة على التعلم الآلي والشبكات العصبية، وبفضل أفلام الخيال العلمي إلى حد كبير، برزت أيضاً فكرة أنه علينا أن نكون قادرين على التواصل والتفاعل مع الأجهزة الإلكترونية والمعلومات الرقمية، بشكل طبيعي ومماثل لطريقة تفاعلنا مع الأشخاص الآخرين، وتحقيقاً لهذه الغاية، أصبح حقل آخر من حقول الذكاء الاصطناعي – وهو معالجة اللغات الطبيعية (NLP) – مصدراً مثيراً للابتكارات في السنوات الأخيرة، وواحدة من الحقول التي تعتمد بشكل كبير على التعلم الآلي.
بشكل عام، تهدف تطبيقات معالجة اللغات الطبيعية إلى فهم عمليات التواصل الإنسانية الطبيعية، سواءً المكتوبة منها أو المنطوقة، والتواصل معنا في المقابل باستخدام لغة طبيعية مماثلة، والجدير بالذكر أن التعلم الآلي يستخدم هنا لمساعدة الآلات على فهم الفروق الشاسعة في اللغة البشرية، وتعلم الرد بطريقة يمكن أن تفهمها مجموعة معينة من الأشخاص.
في النهاية، تجدر الإشارة إلى أنه غالباً ما ينظر إلى موضوع تطوير نظام ذكاء اصطناعي شبيه بالإنسان في نهاية المطاف وكأنه شيء مفروغ منه من قبل التكنولوجيين، وبالتأكيد، فقد أصبحنا اليوم أقرب لتحقيق هذا الهدف من أي وقت مضى، ونحن نتحرك نحوه بسرعة متزايدة، ولكن معظم التقدم المثير الذي شهدناه في السنوات الأخيرة كان بفضل التغييرات الأساسية في كيفية تصورنا لعمل الذكاء الاصطناعي، والذي كان ممكناً بفضل تطوير تقنية التعلم الآلي، لذلك نأمل أن تكون هذه المقالة قد ساعدت بعض الأشخاص على فهم الفرق بين الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.