قد يكون من الصعب علينا إيجاد طريقة نتمكن من خلالها التأكد من أننا سنقوم بإنجاز جميع المهام التي نأمل أو يفترض بنا القيام بإنجازها خلال اليوم، فمع زيادة عدد المهام التي أصبحنا نضعها على جدول أعمالنا اليومي، وضيق الوقت، والتدفق المستمر للفرص الجديدة، أصبح معظمنا يعمل لمدة أطول في محاولة لإنهاء جميع الأعمال المفترض إنجازها.
ولكن هذا النهج خاطئ، فقد ظهرت العديد من الأبحاث التي تثبت بأن العمل لوقت أطول وساعات أكثر يؤدي لاستنزاف الإنتاجية لدينا، ولا يقوم بمساعدتنا على إنجاز أي أعمال إضافية على الإطلاق، ويترك الشخص الذي يقوم بالعمل الإضافي في حالة من الاستنزاف والتعب، فهل يعني ذلك أننا عالقون وغير قادرين على إنجاز أي شيء أكثر من المعتاد بغض النظر عن مقدار العمل الذي قد نرغب في بذله لزيادة انتاجيتنا؟
الجواب هو، ليس بالضرورة، فهناك استراتيجية رائعة قائمة على العلم يمكن من خلالها تسخير الوقت الأفضل لديكم لإنجاز أكثر الأعمال أهمية وبمدة قصيرة، حيث يشير الدكتور (جوش ديفيس)، وهو مدير البحوث والأستاذ الرئيسي في معهد (NeuroLeadership) في كتابه، إلى ضرورة الاقتداء بعبارة “إعمل بطريقة أكثر ذكاء وليس أكثر جهداً”، حيث يوصي، بأنه وبدلاً من محاولة حشو اليوم بساعات أكثر من العمل، أو محاولة إجبار النفس على العمل طوال اليوم بأقصى قدر من الكفاءة، يمكن استخدام علم الدماغ للمساعدة في خلق فترات قصيرة تكون فيها فعاليتنا في أوجها.
يعتقد (ديفيس) بأنه يجب على معظم الأشخاص أن يحاولوا الحصول على ساعتين من التركيز الكبير في اليوم الواحد، وذلك على الرغم من أن قدرات الأشخاص وحاجاتهم يمكن أن تختلف، حيث أنه يشير بأن ساعتين من التركيز هو أمر معقول وقابل للتنفيذ بالنسبة لمعظم الأشخاص، كما يقول بأن هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يحصلون على أي ساعة من التركيز خلال اليوم.
بحسب (ديفيس) فإن الخطوة الأولى والأساسية للحصول على التركيز المطلوب هي التوقف عن رؤية أنفسنا كآلات، والبدء في تحويل فهمنا للطريقة التي نعمل بها استناداً إلى حقيقة أننا مخلوقات بيولوجية ولسنا أجهزة الكمبيوتر، لذلك علينا أن نعد الظروف التي تسمح للمخلوق البيولوجي بالتطور، وعندما يحدث ذلك يمكننا أن نفعل أشياء مدهشة، كحل المشاكل المعقدة، فعندما لا نكون نعمل بشكل جيد، فإننا سنواجه أوقات صعبة جداً في تحقيق التقدم حتى مع الأشياء الغير معقدة.
فيما يلي سبع نصائح يمكن أن تساعد في الوصول إلى حالة إنتاجية وإبداعية بطريقة أكثر سهولة خلال اليوم:
1- كن ذكياً فيما يخص جدولك الزمني
من المنطقي أن نفكر في ترتيب يومنا اعتماداً على الأعمال المهمة التي يجب علينا إنجازها خلاله، وفي كيفية الحصول على الطاقة الذهنية المطلوبة لهذا العمل، لذلك فإذا كنت تمتلك بعض المرونة في جدولك، حاول جدولة الأعمال المهمة بحيث تتمكن من القيام بها عندما تكون في أفضل حالاتك، أما إذا لم يكن هذا الخيار متوفراً لديك، فأعد النظر في الأشياء التي يجب عليك القيام بها قبل تأدية هذا العمل المهم، وضع الأعمال الأقل أهمية قبله.
2- احترس من الإرهاق الناتج عن أخذ القرارات
تبين بأن اتخاذ القرارات يرهق الدماغ، فإذا كنت قد أخذت الكثير من القرارات مؤخراً، سيصبح من الصعب عليك اتخاذ أي قرارات جديدة، ولكن وبحسب (ديفيس) فإن المشكلة تكمن بأننا نتخذ الكثير من القرارات دون التفكير حقاً بأننا نفعل ذلك، خاصة عند التعامل مع البريد الإلكتروني – مثل هل يجب أن أبعث بهذا الآن؟ وهل قمت بتضمين الأشخاص الصحيحين فيه؟ وهل طريقتي في صياغة الجمل هي الطريقة الصحيحة؟- كما أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يحاولون مراجعة كل الأمور بشكل دقيق قبل الذهاب لتقديم عرض أو محاول فعل شيء إبداعي، ولكنهم ينسون أنهم بذلك يؤثرون على قدرتهم على القيام بذلك بشكل فعال.
لذلك استغنِ عن عادتك القديمة في قراءة البريد الإلكتروني قبل البدء بالعمل الجاد، لأنه يجب على الأقل ترك فترة فاصلة بين العملين، حيث ينصح (ديفيس)، بأنه يجب أن تكون الفترة الفاصلة بين مثل هذه الأنواع من الأعمال لا تقل عن مدة 20 دقيقة.
3- أبقِ البريد الإلكتروني لأوقات الإرهاق
إذا وجدت نفسك مرهقاً جداً أو مشتتاً بسبب شيء ما، فإن هذا هو الوقت المناسب للاطلاع على بريدك الإلكتروني أو تقارير الحسابات، فتبعاً لـ(ديفيس)، بدلاً من ترك هذه المهام الغير مهمة لتستنزف من اندفاعك الإبداعي، اتركها للوقت الذي تشعر به بأنك لست في أوج طاقتك العقلية.
4- إفسح المجال أمام العواطف
الإنسان في المجمل هو كائن عاطفي، والكيفية التي نشعر بها يمكن أن تؤثر على قدرتنا على أن نكون منتجين، لذلك وتبعاً لـ(ديفيس)، بدلاً من محاولة كبت تلك العواطف وبذل الجهد للاستمرار بالتعامل معها، يجب علينا الاعتراف بها واستيعابها، فإذا كان عليك إجراء محادثة صعبة مع شخص ما، تتضمن استقبال أو إعطاء بعض ردود الفعل، فينبغي لنا أن نتوقع أن يؤثر هذا التفاعل على الطريقة التي نفكر بها ومدى فعاليتنا فيما بعد.
إذا كنت تشعر بالغضب، فقد تكون هذه هي اللحظة المناسبة للقيام بالمهام التي تشعر بالتردد في القيام بها، فعندما تريد القيام بشيء غير سار، فالغضب قد يكون الحالة النفسية المثلى لذلك، ولكن من ناحية أخرى، فإذا كنت بحاجة إلى التعاون مع شخص ما ضمن هذه المهمة، فإن الغضب يمكن أن يعمل ضدك، لذلك قم باختيار وقت آخر أو استخدام أحد الأساليب أدناه للتغيير من حالتك المزاجية.
5- حاول الاستفادة بأقصى قدر ممكن من فترات الانقطاع التي تصادفك أثناء العمل
يمكن لفترات الانقطاع التي تصادفك أثناء العمل أن تكون فظيعة ومزعج، فجميعنا يعلم بأن فترة العودة إلى العمل بعد الانقطاع يمكن أن تستغرق ما يصل إلى 25 دقيقة عندما نكون في خضم مهمة معقدة، ولكن الانقطاعات تمتلك جانباً جيداً أيضاً، فخلال يوم العمل المزدحم، عادة ما تكون عقولنا مصممة للعمل ضن نظام آلي، ولا يكون لدينا سوى عدد قليل من الدقائق للتفكير حقاً فيما نقوم به، فإذا كنا نجري حديثاً ما، فإننا نكون في وضع المحادثة الآلية، وإذا كنا نتنقل من مكان إلى آخر، فإننا نكون في وضعية التنقل الآلي، وإذا كنا نتحقق من البريد الإلكتروني، فإننا نقوم بذلك بطريقة آلية أيضاً، ولكن أحياناً نصل إلى مفترق طرق لا يكون خلاله النظام الآلي لدينا قادراً على معالجة الوضع، والانقطاع عن العمل في وسط مهمة ما، هو أحد تلك الأوقات، فإذا كنت تعمل على كتابة أمر ما، وكنت مستغرقاً به، وجاء أحد ليفاجئك بسؤال ما، فإن هذا سيدفع بوعيك الذاتي للاستيقاظ والظهور إلى الواجهة، وهذا سيمكنك من الرجوع إلى الوراء قليلاً لرؤية ما إذا كنت قد قمت باتخاذ القرارات السليمة خلال اليوم.
تبعاً لـ(ديفيس)، فإن الانقطاع عن العمل يمكن أن يكون أمر مزعجاً للغاية، ولكنه فرصة هامة للرجوع قليلاً إلى الوراء والنظر في الكيفية التي كنت فيها تنفق وقتك، فعندما نكون نعمل بشكل آلي ومبرمج، لا يكون بإمكاننا الخروج من هذا الجور ببساطة، لذلك وبعد ذهاب ذلك الشخص، يمكننا عندها التوقف قليلاً والنظر فيما إذا كنا نقوم بتأدية المهمة بالطريقة الصحيحة، وفيما إذا كنا في الحالة العقلية المناسبة لها، كما ويمكننا أيضاً أن نستفيد من هذه اللحظات لمعرفة الكيفية التي تؤثر فيها الطاقة العقلية علينا.
6- قم بتعديل مزاجك بممارسة التمارين الرياضية المعتدلة
بحسب (ديفيس)، إذا ما قمت بممارسة بعض التمارين الرياضية المعتدلة – مثل قضاء 40 دقيقة في المشي السريع، أو 20 دقيقة في الهرولة الخفيفة، أو 10 دقائق في صعود الدرج وهبوطه – فإن هذا قد يساعدك في الحد من القلق، وسيضعك في مزاج أكثر إيجابية ويمنحك قدرة أكبر على التعاون بشكل أكثر فعالية، لذلك فإذا كنت تستعد للذاهب لتقديم عرض ما، قم بالهرولة في غرفتك لمدة 15 دقيقة إذا كنت تشعر بالتوتر.
7- إقض بعض الوقت في التحديق من النافذة
صدقوا أو لا تصدقوا، فإن هذا سيزيد إنتاجيتك، فتبعاً لـ(ديفيس)، عقل الإنسان ينجرف بطبيعته، وعندما يحدث ذلك، فإننا كثيراً ما نقسوا على أنفسنا ونجبرها على العودة إلى المسار الصحيح.
عندما تنجرف عقولنا، فإننا سنتوجه للقيام بأمر من أحد أمرين، فإما أن نقوم بأداء أمر آخر لا يتطلب الكثير من التركيز مثل قراءة البريد الإلكتروني، وقراءة الرياضية أو صفحات الأخبار، أو التسوق عبر الإنترنت، أو لعب لعبة ما، أو يمكننا أن نحدق في الفضاء أو من خلال النافذة، وعلى الرغم من أن قراءة البريد الإلكتروني أو مقال قد يكون الخيار الأكثر متعة وإنتاجية، إلّا أنه في الواقع الخيار الأسوأ، وذلك لأن هذا قد يتحول إلى نشاط جديد، وقبل أن نعرف ذلك، سيحدث تغير كبير في الإطار الزمني المحدد لدينا للعمل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ممارسة نشاط آخر سيمنع العقل من الانحراف بعيداً، ونحن لا نريد ذلك، فالإنحراف الذهني يمكن أن يكون أمراً مفيد حقاً، لأنه يتيح لنا دمج المعلومات بين الدوائر التنفيذية ودوائر المعالجة الاجتماعية في أدمغتنا، لذا فإن هذا قد يسمح لنا برؤية الكيفية التي تتناسب فيها الأهداف التي نعمل عليها مع مطالب حياتنا الاجتماعية، كما ويتيح الانحراف الذهني لنا الحصول على الكثير من الأفكار الإبداعية، فإذا كنت من الأشخاص الذين عادة ما يعانون من هذه المشكلة، فإن دماغك سيكون أكثر احتمالاً للتوصل إلى الحلول المبتكرة، لذلك إن الطريقة الأمثل للاستفادة من هذه الحالة، هي بأن تسمح لأفكارك بالانجراف بعيداً عما تفعله ولكن من دون التركيز بشدة على أي شيء آخر لبعض الوقت.