واحر قلباه ممن قلبه شبم..ومن بجسمي وحالي عنده سقم
مالي أكتم حبا قد برى جسدي..وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته..فليت أنا بقدر الحب نقتسم
قد زرته وسيوف الهند مغمدة..وقد نظرت إليه والسيوف دم
فكان أحسن خلق الله كلهم..وكان أحسن ما في الأحسن الشيم
كان يلقي شعره جالسا في بلاط أمير دمشق سيف الدولة الحمداني، في حين لم يجرؤ شاعر الجلوس لذلك الغرض..كانت تلك الميزة الممنوحة للشاعر المتنبي نابعة من العلاقة الحميمية الوثيقة التي ربطته بسيف الدولة الحمداني.
لم تهدأ وساوس الحاقدين والممتعضين، فبدأت تغزو هذه العلاقة المتينة وتفكك أواصرها، وتقطع حبالها، حتى نالت مرادها، ولاقى المتنبي ما لاقاه من إهمال وجفاء من قبل سيف الدولة، فهاجت في نفسه أعاصير الألم والحرقة والعزة والأنفة، وكتب قصيدته (واحر قلباه) في عتاب سيف الدولة الحمداني، والعتاب لا يكون إلا بين المتحابين.
ابتدأت القصيدة بالإستعطاف الذي تضمن الألم والندبة في مطلعها الوجداني (واحر قلباه)، ويشكو قلبه المحترق حبا وهياما وبرود سيف الدولة الحمداني الذي لا يحفل به – حيث أن الشبم تعني البارد – ويصف المتنبي أنه عليل الجسم لفرط ما يعانيه من محبة سيف الدولة.
يتساءل المتنبي في البيت الثاني، لماذا يخفي حبه الصادق لسيف الدولة الحمداني الذي برى أي أنحل وأضعف جسده، بينما يدعي الكثيرون حبه علانية ويضمرون عكس ذلك؟
يحمل البيت الثالث نوعا من التحدي من قبل المتنبي، فيقول أنه إذا كنا حقا اجتمعنا في حب سيف الدولة، فليت أننا نقتسم فضائله وعطاياه بقدر حب كل واحد منا، ويظهر التحدي هنا، فالمتنبي لا يرضى الدنية، وطلبه الإقتسام لم يكن إلا أنه يؤكد أنه سيكون أوفر حظا من غيره لأنه أكثرهم حبا لسيف الدولة !
ويؤكد على قوة علاقته بسيف الدولة في البيت الرابع، حيث ساوى بينه وبين الأمير، وقد رفع المتنبي الكلفة بينه وبين سيف الدولة من خلال كلمة (زرته) فالزيارة تكون عندما تكون العلاقة علاقة مودة ومحبة وصداقة، والنظر (وقد نظرت إليه) تدل على قرب المتنبي من سيف الدولة، حيث كان لصيقا منه وقت المعركة الضارية، ويعني ذلك أن كل مدح لسيف الدولة سيكون أيضا مدحا للمتنبي ذاته، حيث جعل نفسه توأم سيف الدولة، وهذا من دهاء المتنبي الذي سخر اللغة بمكر لصالحه.
ثم جاء المدح بسيف الدولة، فكان أحسن خلق الله كلهم، أي أنه كان أحسن الخلق، وكان أحسن ما فيه (الشيم) وهي الخُلُق.