السائل الغاضب

أ. د. نصرالله محمد دراز - Prof. Dr. N. Deraz

الغضب هو حالة من عدم الاستقرار تأتى كرد فعل لفعل ما، تؤدى الى نتائج ما على مستوى الكائنات الحية وغير الحية. غالبا ما يأتى فعل الغضب كرد لفعل غير مقبول بالنسبة للكائن الحى، أدى بدوره الى استثارة بعض مكوناتة الطبيعية التى تغضب هى الأخرى ليتبعها سلسلة غضب عارمة تنتهى بنتائج وأعراض واضحة. عندما يتعرض الكائن الحي، خاصة الإنسان، للغضب أو التوتر، يفرز الجسم من خلال الغدد الكظرية، مواد كيميائية تسمى هرمونات التوتر، تؤدي إلى الاستجابة للقتال أو الهروب أو الهلع. من أهم المواد التي يفرزها الجسم في هذه الحالة، الأدرينالين، نورأدرينالين، و الكورتيزول.

الأدرينالين (الإيبينيفرين)، يؤدي إلى زيادة معدل ضربات القلب، توسيع الشعب الهوائية، زيادة تدفق الدم إلى العضلات، ورفع مستوى السكر في الدم، مما يمنح الجسم طاقة إضافية للاستجابة للموقف. والنورإبينفرين (نورأدرينالين)، يفيد في تضييق الأوعية الدموية، مما يرفع ضغط الدم، ويساعد في التركيز والاستعداد. والكورتيزول، يزيد من توفر الطاقة عن طريق رفع مستوى السكر في الدم، ويعمل على تقليل الالتهابات، ويُعد جزءًا من استجابة الجسم للتوتر المزمن. وغالبًا ما يتم التعبير عن هذه الحالة، حالة الغضب أو الانفعال الشديد، باستخدام استعارات مثل “الغضب نار” أو “الغضب سائل يغلي”. 

وفى عالم المواد، وما أدراك ما عالم المواد!!!!، عالم الدهشة والخيال الذى يفوق حدود العقل البشرى والامكانيات المحدودة للادراك والوعى الذى سيظل عاجزا أمام القدرة والحكمة الألهية لأى شئ، نجد مركبات كيميائية، مثل هبتوكسيد المنغنيز، الذي يُعرف بكونه سائل أخضر غاضب جدًا وغير مستقر.  هذا السائل هو أنهيدريد حمض البرمنجانيك، الأخضر اللون، متطاير ذو قوام زيتي، ومؤكسد قوي وفعال للغاية ، يتفاعل بشكل انفجاري مع أي مركب عضوي تقريبًا. حيث يتحلل هذا السائل في درجة حرارة قريبة من درجة حرارة الغرفة، ويحدث انفجارًا عند درجات حرارة أعلى من 55 درجة مئوية (131 درجة فهرنهايت). كما يمكن أن يبدأ الانفجار بضرب العينة أو بتعرضها لمركبات عضوية قابلة للأكسدة.

السائل الغاضب جاءنا من هناك من عبق التاريخ، وتم وصفه لأول مرة عام 1860، حيث يمتلك صيغة مركب غير عضوى (  Mn2O7 ) يسمى أكسيد المنغنيز السابع أو سباعى أكسيد المنغنيز ذا الهندسة الهيكلية والكيميائية والضوئية الفريدة فى نوعها. هندسة الهية كغيرها من هندسة المواد التى أبدع هندستها وخلقلها رب كل شئ، لما فيها من روابط وزوايا محددة بين العناصر المكونه لهذا السائل الغاضب، والتى ان زادت او نقصت أختل هيكلها وذهبت بنا مركبة المواد الى محيط حياة أخرى. هندسة كيميائية ضوئية تجدها فى تغير لون السائل الغاضب بانعكاس الضوء على سطحة أو بمرور الضوء من خلال اختراق سطحه، فقى الحالة الأولى يكون السائل أخضر وفى الحالة الثانية يكون أحمر. وهندسة مدنية تبدو واضحة فى الشكل البللورى أو الهيكلى لهذا المركب الكيميائى الغاضب اعتمادا على تحلله عند ملامسته للماء، حيث تشير خصائص ذوبانه إلى نوع جزيئي غير قطبي ، وهو ما يؤكده تركيبه.

وفى حمى هذا السائل الغاضب، تتكون الجزيئات من زوج من المنغنيز رباعي السطوح يشتركان في رأس مشترك من الأكسجين. وعند الاقتراب وبحرص من هذا الحمى نجد أن ذرات الأكسجين تشغل الرؤوس، فى حين يتواجد المنغنيز السباعى في مراكز رباعي السطوح، ليشير كل هذا الى أن الصيغة البنائية لهذا السائل المثير للجدل هى (  O 3 Mn−O−MnO 3 ). وعند الاقتراب من المسافات والأطوال والزوايا بين الروابط، نجد أن المسافة الطرفية بين (Mn−O = 1.585 Å)، فى حين كانت المسافة (  1.77 Å  )  بين ( Mn−O−Mn  ) القائم على ذرة الأكسجين كرأس ومركز المنغنيز رباعي السطح، وكانت الزوايا فيما بينها مقدارها 120.7 درجة مئوية.  

انه ابداع الخالق فيما خلق، هذا الابداع الذى ان حاول الانسان تنفيذه على أرض الواقع، سيكلفه الأمر كثيرا، حتى وان استطاع، فلن يستطيع ضبط المسافات والزوايا والنسب. انه الابداع الحقيقى، الذى يستوجب من الجميع أن يسجدوا لله تعالى شاكرين حامدين متدبرين حكمة الخالق فى كل الأشياء وفى انفسهم قبل أى شئ ” وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ” الذاريات (21)  ” .

شارك المقالة
** مخترع/ مستشار علمى / أستاذ المواد المتقدمة و النانوتكنولوجى الحيوية / مصر / أحد أفضل 2% من العلماء حول العالم طبقا لقائمة ستانفورد الأمريكية. ** حيث تعد كل مقالاتى وأبحاثى وكل ما حصلت عليه من براءات اختراع ، صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، و وَقْفِيَّة عِلْمِيَّة تُبْرِزُ الْإِعْجَازَ العلمى والقانونى و روائعِ الأدب العربى مِنْ خِلَالِ مَقَاصِد العلم والأدب، بهدف إِثرَاءٌ الْفِكْرِ ونشر الوعى العلمى والقانونى والأدبى،.........﴿وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ القصص: 51