بقلم أ. د. نصرالله دراز : أحد افضل 2% من العلماء حول العالم طبقا لقائمة جامعة ستانفورد الأمريكية.
يرتفع البنيان عليا بتراصد لبناته الواحدة تلو الأخرى، تزداد الجبال ارتفاعا وتراها شاهقة جاذبة للأبصار، كما تعلو الأبراج التى تكاد تلامس عنان السماء بتساهم لبناتها مع بعضها البعض. حقا ان يد الله تعالى فى علاه لن تكون الا مع التساهم والاتحاد، الاتحاد الذى لن تراه الا فى رباط دائم وقوة تفتقدها الفرقة والعقول المتشرذمة.
الذرة == كانت ولا زالت هى وحدة بناء المادة، تشيد الأشياء بها ومنها يتكون كل ما هو ملموس. فكان تشييد كل ذرة من خلال ثلاثة أنواع مختلفة من الجسيمات، منها ما دار فى مستوياتها الفرعية تحت الذرية ومنها ما فضل التمركز فى مركزها. رغبه فى الحركة جاءت بها الجسيمات السالبة الشحنة فى حين قبعت الجسيمات الأخرى الموجبة الشحنة فى قلب الذرة وكأن لحركة وسكون هذه الجسيمات ما يبرره. ولما كان اختلاف النوع القائم على الاختلاف الجوهرى فى الشحنة، كان اختلاف السلوك. ولاختلاف السلوك مآرب أخرى كمنت فى السعى الذرى المستمر للوصول بالذرة الى مرحلة الاستقرار والاتزان التى حاول و يحاول الوصول اليها كل المخلوقات سواء كانت كائنات حية أو مكونات غير حية. تظل الجسيمات الموجبة الشحنة (البروتونات) قابعة ساكنة فى القلب ( النواة ) من الذرة فى حين تقبع الجسيمات السالبة الشحنة ( الالكترونات ) فى حركة مستمرة غير ساكنة فى مستويات أو مدارات حول القلب طبقا لامتلاكها طاقة معينة تقنن وضعها من حيث حركتها وبعدها عن النواة لتنشأ لنا قوة طرد مركزية تحقق الطبيعة الفطرية القائمة على استقرار واتزان الذرة، طبيعة تسعى اليها المواد الغير حية قبل الكائنات الحية. ولكن هل يهدأ قلب الذرة بوجود البروتونات فقط؟ كلا البتة، لأنه لابد من وجود مركز ثقل الذرة المتمثل فى النيترونات ( جسيمات متعادلة الشحنة) التى تحافظ على اتزانها وتجعل من القلب مركز ثقل تدور فى فلكه الالكترونات التى تصبح كالكواكب التى تدور حول الشمس. فيكتمل بناء قلب الذرة بالجمع بين وجود كل من البروتونات والنيترونات، جمعا على خير يجعل قلب الذرة ينبض بالحياة من خلال دوران الالكترونات حول هذا القلب وتحت تأثير قوة طرد مركزية تحافظ على البعد المكانى بين كل هذه الجسيمات المتعددة الأنواع.
المعاملات الذرية == قد يتغير السلوك بتطور المكان والزمان، فسلوك الالكترونات داخل الذرة جاء طبقا لما سبق ولكنه قد يتغير من سلوك حركى معين فى مدارات محددة حول النواة سواء بالدوران فيها دون الصعود أو الهبوط أو بالهبوط أو الصعود الى مدارات اخرى موجودة بالذرة نفسها الى سلوك حركى أخر قائم على الانتقال الى مدارات ذرة أخرى من خلال عمليتى الفقد أو الاكتساب، وقد يكون هناك أمر آخر جاء به مبدأ المشاركة بين الكترونات ذرتين مختلفتين أو متشابهتين. عندما تتعاون الذرات مع بعضها البعض، لابد من آليات محددة لهذا التعاون الذى يكون فى الغالب مثمر للمادة ولكل المخلوقات. فعالم الذرات كعالم الكائنات الحية، الكل يسعى الى الاستقرار الذى لن يكون الا من خلال التعاون الذى له هو الآخر صور وأشكال متعددة. ولما كان هناك من يعطى لكى يكون موجود فهناك من يأخذ هذا العطاء لكى يشعر هو الآخر بوجوده، كان لابد من ظهور ما يسمى بالتعاون الأيونى كما فى بلورات جزيئات ملح الطعام الذى هو ميزان طعام الانسان. وعلى الجانب الأخر، كان وجود البعض فى المشاركة فيما بينهم وبنفس القدر من العطاء، وجود جاء فى التعاون التساهمى كما فى جزيئات الأكسجين التى هو اكسير الحياة.
الصراع بين التعاون الأيونى والتعاون التساهمى == لازال الصراع قائم بين ما هو أيونى وما هو تساهمى على الرغم من أن للطبيعة قول واحدا فى هذا المقام و هو أن التوزيع الالكترونى هو الفيصل فى هذه الحرب الضروس. و ان كان الأمر هكذا، فأى نوع من التعاون سيكون هو الأكثر شيوعا؟. قد يتبادر للذهن ومن الوهلة الأولى أنه التعاون الأيونى ولكنى أؤكد لكم فى هذا المقام أنه التعاون التساهمى على سند من القول بأن عدد المركبات العضوية الى عدد المركبات الغير عضوية هو 20: 1 ، هذا لا لشئ غير أن المركبات العضوية تستند على تعاون تساهمى فى حين أن المركبات الغير عضوية تستند على تعاون تساهمى وآخر أيونى يكون هو السائد غالبا.
خذوا عنها واعملوا علكم تفلحون == جاءت لكم المركبات العضوية التى تعاونت ذراتها فيما بينها تعاونا أكثر اثمارا فكثرت وتكاثرت فى الأرض فعم خيرها و تناقص شرها، لذا وجب علينا أن نأخذ عنها عل النجاح والفلاح يكون حليفا لنا فى كل خطواتنا. مواد ازداد تناسلها، ففى كل يوم نسمع عن مركبات عضوية جديدة، ألا فى ذلك عبرة وعظة لكل صاحب عقل أن يبحث عن التعاون المثمر مع غيره كى نرقى ونرتقى كما ارتقت تلك المواد. وكأن لسان حال هذه المواد يقول لنا ولكم أن فى تساهم الذرات أسوة حسنة.
علة الأخذ عن الذرة == ان للذرة حديث ليس بالبعيد عن الكائنات الحية لأن هذه الكائنات تتألف فى تكوينها من القطع الأساسية للماده. فها هو جسم الانسان ذو 70 كيلو جرام يتكون من سبعة بليون بليون بليون ذرة معضمها عبارة عن ذرات هيدروجين (65%) وأكسجين (24%) كربون (10%) والباقى عناصر نادرة (1%).