يمكن ملاحظة آثار الخراب الذي أحدثته خنافس الأثل الصغيرة في كل مكان من منطقة أريزونا، تلك المنطقة المعروفة بمناظرها الطبيعية الخلابة، وجبالها الوعرة، وأخاديدها النهرية العميقة، حيث يمكن رؤية مئات أشجار الأثل المنتشرة على ضفاف الأخاديد وقد أضحت رمادية وذابلة، وأصبحت فروعها جافة وكأنها قد تعرضت للحريق أو الجفاف.
في الحقيقة فإن فالمزارعين ومربي الماشية والقائمين على المياه يسعون للتخلص من أشجار الأثل، كونها تستهلك الكثير من المياه، وعندما بدأت الخنافس بالتغذي على هذه الأشجار وقضم أوراقها، رحّب القائمين على المنطقة بهذه الخنافس ، آملين بأن تقوم الخنافس بتخليص أريزونا من هذه الأشجار التي تعتبر آفة على المياه.
إلّا أن بعض العلماء يقولون بأن محاولة السلطات إزالة أشجار الأثل عن طريق الجرافات أو عن طريق قطعها أو عن طريق الخنافس، لن يساعد في توفير المزيد من المياه، كون أشجار الاثل ستعاود النمو مرة أخرى، كما أن الطيور التي تسكن تلك الأشجار وخاصة الطيور المهددة بالانقراض ستتأذى نتيجة لفقدانها لموطنها في أشجار الإثل، إضافة إلى أنه من المتوقع أن تنتقل الخنافس إلى التهام أشجار أخرى بعد أن تنتهي من التهام أشجار الأثل.
تشير التقارير التي أعدها مشروع أريزونا الوسطى، الذي يدير شبكة مياه تمتد على طول 336 ميلاً، إلى أنه قد يتم قطع امدادات المياه الواصلة إلى (فينيكس) و(توسون) بحلول نهاية العقد، في حال لم يتم تخفيض استهلاك المياه، حيث أن مستوى المياه في بحيرة (Mead) ، والتي تعتبر الخزان الأساسي لمياه نهر كولورادو المصدر الوحيد لمياه الشبكة، قد انخفضت هذا الشهر إلى مستوى لم يسبق له مثيل منذ عام 1938، وأدى الجفاف المتواتر والنمو السكاني السريع في السنوات الأخيرة، إلى نقص إمدادات المياه في الدولة، وهذا ما دفع القائمين إلى الاسراع بإيجاد حلول جذرية، حيث تم طرح العديد من الأفكار مثل تحلية المياه أو تحفيز السحب، أو معالجة الغطاء النباتي، وهذا الحل الأخير يشمل القضاء على أشجار الاثل .
تنمو شجرة الاثل في آسيا والشرق الأوسط، وتم استيراد هذه الشجرة منذ أكثر من قرن لزراعتها في مناطق أريزونا لمنع التعرية التي تؤدي إلى التصحر، حيث قامت هذه الشجرة بأداء هذه المهمة على أكمل وجه عن طريق نموها الكثيف ومدها لجذورها على مسافات مترامية الاطراف وقدرتها على النمو في الظروف القاحلة، ولكن مع تقدم الوقت تم بناء السدود على الأنهار، مما أدى إلى انحسار ضفاف الأنهار، وهذا بدوره أدى إلى تجفاف الأشجار الأصلية التي كانت موجودة بالمنطقة، وبالتالي قامت أشجار الاثل باحتلال أماكن وجود الأشجار الأصلية نظراً لقدرتها على تحمل الظروف القاسية.
يقول مناصري حملة إزالة أشجار الأثل بأن شجرة الاثل الكبيرة يمكن أن يصل معدل استهلاكها للمياة إلى أكثر من 200 جالون من المياه يومياً، أما (ديفيد مودير)، المدير العام لمشروع أريزونا الوسطى، فيرجع سبب انخفاض منسوب المياه في الأنهار إلى تغير المناخ والجفاف، ويشدد على أنه من العبث القيام بإزلة جميع أشجار الإثل الموجودة في المنطقة، خاصة وأنها تعتبر حالياً موطناً لآلاف الأنواع من الحياة البرية، أضف إلى ذلك بأن الخنافس لا تتبع جدولاً محدداً في القضاء على أشجار الاثل، وهذا ما يدفع القائمين إلى إزالة هذه الأشجار يدوياً، وهذه العملية تعتبر مكلفة نسبياً، فضلاً عن أن الأشجار التي ستحل محل أشجار الاثل، ستكون عطشى، مما سيدفعها إلى استهلاك المزيد من المياه، ويقول (غيبيني سيميون) الخبير في شؤون البيئة، بأن الانسان لن يستطيع القضاء نهائياً على شجرة الاثل مهما بذل من جهد، كون هذه الشجرة تنتج مئات الملايين البذور يومياً، وتتكيف بشكل مذهل مع البيئة المحيطة.
منذ عقد مضى قامت وزارة الزراعة في الولايات المتحدة الأميركية، باقتراح فكرة لإطلاق خنافس الاثل، المفترس الطبيعي لأشجار الإثل، في ولاية كولورادو لقتل أشجار الاثل ببطئ في المنطقة، ولكن هذه الخنافس فاقت التوقعات عندما وصلت إلى ولاية اريزونا الشمالية في وقت أقرب مما كان متوقعاً، ومن المحتمل أن تصل الخنافس إلى الأجزاء الجنوبية من ولاية اريزونا خلال حوالي عامين.
يمكن للناظر ملاحظة العمل الدؤوب الذي قامت به الخنافس على امتداد نهر كولورادو بالقرب من الوادي العظيم، حيث تحول لون الكثير من أشجار الاثل إلى البني أو الرمادي، وتعرت من أوراقها، وحالياً تم تطهير حوالي 50 ياردة من أحد أطراف مجرى النهر من أشجار الاثل، وتم استبدالها بشجر الصفصاف والحور القطني وغيرها من النباتات، وذلك لمنع أشجار الاثل من معاودة النمو.
أخيراً، فإن معارضي فكرة إزالة أشجار الاثل، يترقبون حالياً لرؤية فيما اذا كانت الخطة التي تم اتباعها والتي تعتمد على ازالة الأشجار ومنعها من معاودة النمو ثانية، ستقوم بحل مشاكل المياه في ولاية أريزونا، وتقول الباحثة البيئية (ميليسا سيفيني)، بأنه على الرغم من محاولاتنا المتكررة لإلقاء اللوم على الظروف المحيطة، إلا أن الانسان هو الملام الأول والأخير عن استنفاد الموارد الطبيعية .