أشار الباحثون مؤخراً بأن نوعاً من البكتيريا التي تسبب أمراض اللثة الشديدة قد تؤدي أيضاً إلى العديد من حالات التهاب المفاصل الروماتويدي.
تم العثور على هذه البكتيريا لدى حوالي ثلث الأشخاص الذين تم تضمينهم في البحث، وقد وجد الباحثون أدلة تشير إلى أن 47% من المرضى الذين يعانون من التهاب المفاصل الروماتويدي يمتلكون أدلة على إصابتهم بهذه العدوى البكتيرية.
تدعى هذه البكتيريا بـ(Aggregatibacter actinomycetemcomitans)، أو “A a” للاختصار.
وجد (ماكسيميليان كونيغ)، من جامعة جونز هوبكنز والزملاءه، بأن هذه البكتيريا تعمل على تدمير خلايا مناعية تسمى بالخلايا المتعادلة بطريقة تثير غضب الجهاز المناعي، مما يدفعه لمهاجمتها، وهي ذات العملية التي تؤدي للإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي.
بحسب الدكتور (فيليب اندرادي)، وهو طبيب مختص في الروماتيزم من جامعة جونز هوبكنز، وأحد الباحثين المشرفين على البحث فقد استطاع الفريق البحثي إيجاد البكتيريا ضمن ما يقرب من 50% من المرضى، وعلى اعتبار أنه لا يوجد دواء فوري لمرض التهاب المفاضل الروماتويدي، فلن يكون هناك ضرر من إيلاء المزيد من الاهتمام بتنظيف اللثة.
يضيف (اندرادي) بأن الوقاية هي أفضل وسيلة لتجنب أي مرض، لذلك فإذا بدأنا بتحسين نظافة الفم لدى الأشخاص الذين قد يكون لديهم استعداد لهذا المرض، فمن الممكن أن نستطيع منع تطوره.
اعتقد الباحثون لفترة طويلة من الزمن بأن نوعاً من العدوى هو ما يسبب الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي، وهذا النوع هو من أنواع أمراض المناعة الذاتية التي تحدث عندما يقوم الجسم بطريق الخطأ بهجمات الأنسجة الصحية.
في حالة التهاب المفاصل الروماتويدي، فإن جهاز المناعة يقوم بمهاجمة الأنسجة في المفاصل، وأحياناً الأنسجة حول القلب والرئتين، وحتى الآن لا يوجد دواء لهذه الحالة، حيث عادة ما تكون العلاجات المستخدمة هي الأدوية التي تعمل على قمع نظام المناعة، وهذا ما يجعل المرضى معرضين للإصابة بالأمراض المعدية والسرطانات.
استغرق الأمر بعض الوقت حتى تمكن الفريق البحثي من تحديد البكتيريا المسؤولة عن هذه الحالة، ولكنهم لا يزالون غير قادرين على معرفة الكيفية التي تستطيع فيها هذه البكتيريا التسبب بالتهاب المفاصل الروماتويدي على وجه التحديد.
خلال عملية البحث، تمكن الباحثون أولاً من تحديد نمط واضح من الأضرار التي تسببها بكتيريا تدعى (hypercitrullination) في اللثة المرضى الذين يعانون من أمراض اللثة – وهو نفس نمط الضرر الذي يظهر لدى العديد من المرضى الذين يعانون من التهاب المفاصل الروماتويدي- وتبعاً لـ(اندرادي) فقد كان هذا أول دليل بأن هناك شيئا مشتركاً يجمع بين هؤلاء المرضى.
بعد ذلك، وجد الباحثون أن بأن بكتيريا (Aggregatibacter actinomycetemcomitans) التي توجد لدى المرضى الذين يعانون من أمراض اللثة، يمكن أن تسبب أضرار سيترولينية عن طريق إفراز مادة سامة تؤدي إلى إحداث ثقوب في الخلايا المناعية المتعدلة.
كان على الباحثين تطوير اختبارتهم الخاصة لمعرفة ما إذا كان الأشخاص مصابون بهذه البكتيريا أم لا، ومن خلال ذلك وجدوا بأنه من بين المرضى الذين كانوا يعانون من التهاب المفاصل الروماتويدي، كان هناك ما يقرب من النصف من الذين يمتلكون أدلة على إصابتهم بالعدوى البكتيرية، وذلك بالمقارنة مع 11% فقط من الأشخاص الذين لا يعانون من التهاب المفاصل الروماتويدي.
يشير (أندرادي) بأن السؤال التالي الذي يجب الإجابة عنه هو كيف يمكن لمثل هذه العدوى الفموية أن تسبب التهاباً في المفاصل، فهل الأمر يتم من خلال انتقال البكتيريا من الفم إلى المفاصل، أو ربما من خلال الإتلاف التي تتسبب به للخلايا المناعية، أو أنه شيء آخر تماماً؟
من جهة أخرى، فإن هناك سؤال آخر يجب الإجابة عنه، وهو هل يمكن للمضادات الحيوية أن تساعد؟ يتطلب ظهور عوارض الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي سنوات أو حتى عقوداً ليظهر لدى المريض، وعند هذه المرحلة قد يكون الوقت قد تأخر كثيراً، كما أن الأطباء يعلمون بأن الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية يمكن أن يسبب ضرراً أكثر مما يمكن أن يأتي بمنفعة، فهو يقتل البكتيريا النافعة ويساعد سلالات الجراثيم المقاومة للعقاقير على التطور.
قد لا تكون بكتيريا الـ(A a) هي السبب الوحيد وراء الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي، فهناك العديد من أنواع البكتيريا التي تقوم أيضاً بإفراز السموم كوسيلة للدفاع ضد الخلايا المناعية، مما قد يسبب نمطاً مماثلاً من الضرر، ولكن فحص المرضى أظهر بأن البكتيريا التي عادة ما تكون موجودة بشكل طبيعي في الفم لا ترتبط مع التهاب المفاصل الروماتويدي.