على مرّ التاريخ، تفنّن الإنسان في تطوير الأسلحة القاتلة، بدءا من السيوف والرماح وصولا إلى أسلحة الدمار الشامل مثل القنابل الذرية. إلا أن ما خطر على بال كاتب الخيال العلمي “لاري نيفن” كان فكرة غير مألوفة تماما، إذ تناول في قصته القصيرة “رجل الثقب”، المنشورة عام 1974، إمكانية استخدام ثقب أسود صغير بالكاد يُرى كسلاح فتاك للقضاء على الضحايا.
وقد أثارت هذه الفكرة فضول باحثين من جامعة برينستون، الذين سعوا إلى دراسة مدى إمكانية أن يشكّل ثقب أسود صغير جدا تهديدا حقيقيا لحياة الإنسان. لكن الإجابة عن هذا السؤال ليست بهذه البساطة، إذ تُظهر النتائج أن الأمر لا يحسمه عامل واحد فقط، بل يعتمد على مجموعة من الظروف الفيزيائية التي تحدد مدى خطورة مثل هذا الثقب الأسود.
العلم وراء الثقوب السوداء الأولية
يؤمن الفلكيون بأن هناك ثقوبا سوداء يعود أصلها إلى نشأة الكون، نشأت بعد الانفجار العظيم، ويُطلق عليها “الثقوب السوداء الأولية”. وهذه الأجرام السماوية أصغر بكثير من الثقوب السوداء ذات الكتل النجمية، وعلى الرغم من عدم اكتشافها حتى الآن، فإنها تظل ضمن نطاق البحث النظري.

تتراوح كتل الثقوب السوداء الأولية بين كتلة ذرة الهيدروجين وعدة أضعاف كتلة الأرض. ويشير الفيزيائيون إلى أن الثقوب السوداء التي تقل كتلتها عن تريليون كيلوغرام (10¹² كغ) قد تبخرت بفعل إشعاع هوكينغ، في حين أن أي ثقب أسود تتجاوز كتلته 10 كوينتيليون كيلوغرام (10²⁰ كغ) سيكون له تأثير جاذبي واضح من خلال انحناء مسار الضوء، فيما يُعرف بعدسة الجاذبية، وهذا ما لا يطمح إليه الباحثون.
فلكي يكون الثقب الأسود مادة للاختبار ضمن الشروط الدقيقة التي وضعها الباحثون، يجب أن يكون الثقب الأسود بين كتلتي 10¹²-10²⁰ كيلوغرام، ويُعد هذاا نطاق كتل الكويكبات. ويقول سائل، ماذا لو أصاب جسم إنسان مثل هذا الثقب الأسود الذي لن يتجاوز قطره واحد ميكرومتر فقط، هل يحدث أي أضرر أم ماذا؟
وتفصيل الإجابة وفقا لنتائج الدراسة يعتمد مكان الإصابة، فلو مرر أحدهم يده على ثقب أسود صغير، فإن الضرر الذي سيلحق به سيكون محدودا للغاية. في حين لو أن الثقب الأسود مرّ على مناطق أكثر حساسية مثل الرأس، فربما تحدث هنا الكارثة.
عاملان رئيسان.. قوى المد والجزر، والموجات الصدمية
تُعد قوى المدّ الناتجة عن الجاذبية الشديدة من أخطر التأثيرات التي يمكن أن تنتج عن اقتراب جسم ما من ثقب أسود. فكلما زادت المسافة قربا من الثقب الأسود، ازدادت شدة الجاذبية بشكل متسارع، مما يؤدي إلى فرق كبير في القوى المؤثرة على طرفي الجسم، فينتج عن ذلك استطالة مدمرة للأنسجة والعظام حتى تتفكك تماما. لكن عندما يتعلق الأمر بالثقوب السوداء الأولية، فإن قطرها الميكرومتري يجعل مدى تأثيرها محدودا للغاية.

وبناء على ذلك، فإن التأثير الناتج عن مرور أحد هذه الثقوب عبر الجسم سيكون طفيفًا في معظم الحالات، إذ لا تتسبب قوى المدّ في أضرار كبيرة إلا إذا أصابت مناطق حساسة، مثل الدماغ، حيث يمكن أن تمزق الخلايا العصبية مسببة إصابة قاتلة.
أما التأثير الثاني، وهو الأكثر خطورة، فيكمن في الموجات الصدمية التي تنشأ عند اختراق الثقب الأسود لجسم ما، إذ تؤدي إلى تشكل موجات كثافة تنتشر عبر الأنسجة، ناقلةً الطاقة الحرارية ومحدثة أضرارا جسيمة، على غرار اختراق رصاصة للجسم.
ورغم أن الضرر الناتج عن هذه الثقوب السوداء الأولية قد يكون قاتلا نظريا، فإن احتمال حدوث مثل هذا السيناريو في الواقع يكاد يكون معدوما، فوفقا لتقديرات الدراسة، فإن احتمالات حدوث هذا في حياة فرد ما هي أقل من واحد في 10 تريليونات، وهو سيناريو يكاد يكون مستحيلا في عمر الفرد.