معظم الأطفال في سن الروضة يعتقدون بأنهم يمتلكون العالم، ولكن الآن أصبح هناك اختبار لإثبات ذلك، فقد طور الباحثون في معهد علوم التعلم والدماغ في جامعة واشنطن اختبار لقياس مقدار الثقة بالنفس لدى الأطفال في سن الخمس سنوات لمعرفة مدى تقديرهم واعتزازهم بأنفسهم.
تبعاً لـ(داريو تسفنسيك)، وهو الباحث الرئيسي في الدراسة، فقد وجد الباحثون بأن الأطفال بعمر الخامسة، يباشرون بتأسيس ثقة قوية بالنفس لدرجة أنها كافية ليتم قياسها.
على الرغم من أن هذا قد يكون مفاجئاً لبعض أولياء أمور الأطفال في سن الخامسة، ولكن قبل إجراء هذه الدراسة لم يكن هناك أدوات للكشف عن مدى تقدير الأطفال لذواتهم، لأن الكثير من اختبارات تقدير الذات تتطلب مستوى معين من التطور المعرفي واللفظي وهو الأمر الذي لا يكون بالعادة موجوداً لدى الأطفال الصغار في هذا العمر.
عادة ما يتم قياس تقدير الذات لدى البالغين باستخدام الترابطات الصريحة، كجعلهم يجيبون على أسئلة مثل “أشعر بأنني شخص ذو قيمة، على الأقل على قدم المساواة مع الآخرين”، إلى جانب الترابطات الضمنية، التي تتمثل باختبار الترابط الضمني (IAT)، الذي تم تطويره من قبل (أنطوني غرينوالد)، والذي كان يُستخدم على نطاق واسع في علم النفس الاجتماعي لقياس التحيزات اللاوعية التي تتعلق بالعرق والجنس والعمر وغيرها من الموضوعات.
على اعتبار أن الأطفال عادة ما يكونون أقل موثوقية من البالغين في اختبارات الصراحة، وتبعاً لحقيقة أن الكثير منهم لا يستطيعون القراءة، قام (غرينوالد) بتصميم اختبار (IAT) جديد مخصص للأطفال في عمر ما قبل المدرسة، ودعاه باختبار ترابط مرحلة ما قبل المدرسة الضمني (PSIAT).
في الدراسة التي تم نشرها في مجلة (Experimental Social Psychology)، أجرى الباحثون ثلاث دراسات على 234 طفلاً يبلغون خمس سنوات من العمر، في الاختبار الأول، تم إعطاء الأطفال مجموعة من الأعلام، وقام الباحثون بإخبارهم بأنه هناك مجموعة معينة من هذه الأعلام تعود لهم (تمثل كلمة “لي”) ومجموعة أخرى ليست لهم (تمثل كلمة “ليس لي”)، بعد ذلك تم وضع الأعلام على شاشة الكمبيوتر، وطلب الباحثون من الأطفال أن يقوموا بضغط زر معين عند رؤيتهم لعلم “لي” على الشاشة، بعد ذلك وفي الاختبار الثاني، قام الباحثون بجعل ظهور الأعلام يترافق مع كلمات جيدة وسيئة، الكلمات الجيدة كالمرح والسعادة والحسن واللطف، والكلمات السيئة كالجنون واللؤم والبشاعة، ثم طلبوا من الأطفال أن يضغطوا على زر معين عندما يرون العلم الذي يمثل “لي” ويسمعون واحدة من الكلمات الجيدة عبر مكبر للصوت، وأن يقوموا بضغط زر آخر عندما تظهر الأعلام الأخرى ويسمعون إحدى العبارات السيئة، أما في الاختبار الثالث فقد قام الباحثون بعكس الأمر.
بينت النتائج بأن استجابات الأطفال الذين يمتلكون احتراماً عالياً لذواتهم كانت أسرع عند ظهور أعلام “لي” المقترنة مع الكلمات الجيدة منها عند ظهور تلك الأعلام مترافقة مع الكلمات السيئة، وقد فسر (تسفنسيك) الأمر بأنه قد يكون من الأسهل إعطاء الاستجابة ذاتها لعناصر من فئتين مختلفتين إذا ما كانت هاتين الفئتين مرتبطان، فعلى سبيل المثال، إذا كان لدى الأطفال احترام عالي لأنفسهم فإنهم سيستجيبون بشكل أسرع عندما يُطلب منهم الضغط عند مشاهدة أعلام (لي) المترافقة مع الكلمات الجيدة، في حين سيكونون أقل سرعة عندما يُطلب منهم الضغط عند مشاهدة أعلام “ليس لي” المترافقة مع الكلمات السيئة.
يشير (تسفنسيك) إلى أن هذه الدراسة تفتح أبواباً جديدة في مجالات البحث، فمثلاً متى تبدأ الثقة بالنفس بالتكوّن لدى الإنسان، وكيف تتشكل، وما هي النتائج المترتبة على عدم امتلاك الشخص لما يكفي من الثقة بالنفس؟ ولكنه يضيف بأن الطريقة المستخدمة في هذا البحث يمكن أن تساعد في الإجابة عن هذه الأسئلة.
إن معرفة الوقت الذي يبدأ معه تشكل تقدير الشخص لذاته وكيفية تشكله قد يقودنا لتطوير قدرتنا على إدارة ذواتنا وتحسينها، ولكن بشكل عام، إن لم تكن من الأشخاص الأثرياء جداً، فإن التقدير العالي للذات هو أمر جيد حقاً.