تمنع معظم الأمهات أطفالهن من اللعب بالطين أو التراب، إما خوفاً على ملابسهم من الاتساخ أو تجنباً للإصابة بالأمراض، لكن الدراسات الحديثة تؤكد فوائد لعب الأطفال بالطين والتراب، وأن الفوائد التي تعود على الأطفال تفوق الآثار السلبية.
والآن، ومع كثرة وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو وغيرها من مظاهر التحضر، أصبح اتصال الأطفال بالطبيعة نادراً عما كان عليه في السابق. ويتمنى الكثير من الآباء اليوم لو تتاح لأبنائهم فرصة اللعب بالطين والاستمتاع بالطبيعة.
كانت الأمهات في الماضي تعتقد أن تلك الأوساخ الناتجة من لعب أطفالهن بالطين ربما تسبب إصابتهم بالعديد من الأمراض وضعف المناعة. لكن على العكس من ذلك، فقد أثبتت الدراسات الحالية أن لعب الأطفال بالطين له فوائد عدة، ومنها:
الصحة العقلية
يساعد لعب الأطفال في الهواء الطلق على تطور أدمغتهم ونظامهم الإدراكي، إذ إن مشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة تعد مستوى مثالياً للتحفيز، مما يساعد على إعادة شحن الدماغ بعد التعب والإرهاق وتشتيت الانتباه، كما تحفز الدماغ على الإبداع والابتكار.
وفي دراسة أجريت عام 2009م على أطفال يعانون فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD). لوحظ أن الأطفال كانت لديهم قدرة أكثر على الانتباه بعد المشي مدة 20 دقيقة في الحديقة مقارنة بالمشي 20 دقيقة في شوارع نظيفة في مناطق حضارية. مما يؤكد أن التسكع بالقرب من الأشجار والأعشاب له تأثير مفيد على الصحة الذهنية.
القدرة على الاكتشاف والتعلم
يوفر اللعب في الهواء الطلق القدرة على التعلم، واكتشاف الأطفال مهاراتهم الحسية والإدراكية والحركية، فمثلاً: عجن وصب المواد كالرمل أو الطين تساعد الأطفال على التفاعل بحواسهم وتحركاتهم مع البيئة المحيطة والمواد المختلفة.
التعبير عن المشاعر
يعد لعب الأطفال بالرمال والطين وصنع تماثيل وبيوت وسيلة مهمة تساعد الطفل على التعبير عن مشاعره وأفكاره، خاصة تلك التي لا يستطيع التعبير عنها في البيئات الأخرى، وبالتالي هي وسيلة مهمة لتعبير الطفل عن حالته العاطفية.
الصحة الجسدية
يساعد أيضاً لعب الطفل في المساحات الواسعة وفي الطبيعة على الجري وأداء التمارين المختلفة مما يقلل من فرص الإصابة بالسمنة.
تقوية جهاز المناعة
اعتقد العلماء في الثمانينيات من القرن الماضي أن استخدام المنظفات والمطهرات بشكل كبير يمنع العدوى عن أطفالنا. وبالفعل كانت الإصابات بالعدوى بين الأطفال أقل.
لكن على الجانب الآخر، يعتقد فريق آخر من العلماء أن الهوس بالنظافة تسبب في ضعف أجهزة المناعة لدى أطفالنا. كما تسبب في تثبيط سلوكيات مهمة لدى الأطفال كغسل اليدين بالماء مثلاً.
كائنات دقيقة صديقة
يعتقد آخرون أن الكائنات الدقيقة غير المعدية هي الحل الأمثل، فهي موجودة في كل العصور وتعد الصديق القديم لجسم الإنسان. بالإضافة إلى أنها غير ضارة غالباً. كما أنها تدرب الجهاز المناعي على تخفيف نشاطه بدلاً من مضاعفته تجاه أي كائن غازي محتمل.
وتلتقي تلك الكائنات مع أجسادنا عند التعرض للطبيعة والهواء الطلق. لكن مع التقدم الحضاري وافتقار العديد من الأطفال للعب في البيئات المفتوحة، ضعفت أجهزتهم المناعية. وصارت أكثر حساسية تجاه أي تهديد، وأكثر عرضة للتغلب عليها.
الأشخاص الذين يعيشون في المزارع أقل عرضة للإصابة بالربو والحساسية وأمراض المناعة الذاتية مثل: مرض كرون، مقارنة بغيرهم. والسبب في ذلك تعرضهم في طفولتهم لمجموعة متنوعة من الكائنات الحية في البيئة الريفية التي شجعت جهاز المناعة على التعامل بشكل أكثر فاعلية.
فيمكن لهذه الكائنات الدقيقة أن تلعب دوراً رئيسياً في حماية الجسم من العديد من الأمراض المزمنة. وكذلك الأمراض الجلدية كالصدفية وبعض أنواع الإكزيما وغيرها.
ومن هذه الكائنات الدقيقة الصديقة لجسم الإنسان: الميكروبات الموجودة في الأمعاء والديدان الطفيلية التي تعيش في التربة. فهي تسبب استجابة مناعية معتدلة في مضيفها. فقد وجد أن الأشخاص المصابين بالديدان الطفيلية لديهم مخاطر أقل للإصابة بأمراض التهاب الأمعاء، مثل: مرض كرون.
أيضاً العلاج بالسبا، مثل: حمامات الطين أو حمامات المياه المعدنية الحرارية. تساعد على إدخال الكائنات الدقيقة الميكروبية المفيدة للجسم مما يحسن من صحتنا العامة نتيجة تأثيرها المضاد للالتهاب.
وقد أجرى الباحثون في فنلندا مشروعاً حول تأثير الطبيعة على الأطفال. إذ استبدلوا الأسفلت والحصى في 4 مراكز رعاية أطفال بتربة مزروعة مأخوذة من إحدى الغابات، كما وزعوا على الأطفال صناديق للزراعة. وبعد شهر واحد، ظهرت على الأطفال علامات تنوع جرثومي متزايد على جلودهم وأمعائهم وتحسن وظائف المناعة لديهم.
ونظراً لتلك الفوائد النفسية والجسدية، تشجع العديد من مراكز الرعاية والمدارس الأطفال على التفاعل مع البيئة بالمشي في الطبيعة أو إلقاء الدروس في الهواء الطلق. وكذلك بناء مطابخ الطين التي تشجع الأطفال على اللعب بالتراب.
المصدر:
https://www.bbc.com/future/article/20220929-how-outdoor-play-boosts-kids-immune-systems