يساهم سلوك الوالدين في تشكيل عادات الأطفال ومنها الرقمية، فحين يقضي الآباء أو الأمهات الكثير من الوقت أمام الشاشات، يميل أطفالهم إلى اعتبار هذا السلوك طبيعيًا ومقبولًا، فيقومون بدورهم بتقليد سلوكيات ذويهم، ما يترك تداعياته على العلاقات الأسرية.
يشير الدكتور خالد النعمة، مدير إدارة البحوث والسياسات الأسرية، بمعهد الدوحة الدولي للأسرة إلى أن انشغال الوالدين بالتكنولوجيا يؤثر على جودة العلاقة العاطفية مع الأبناء، مما يقلل من وقت التفاعل الأسري الحقيقي. قائلًا:” إن انشغال الوالدين بالشاشات، يدفع بالأطفال إلى البحث عن بدائل، وذلك عبر الانترنت، فينغمسون في العالم الافتراضي، وهذا من شأنه أن يضعف الروابط الأسرية وأن يجعل الأبناء عرضة لتحديات عديدة، من بينها التنمر والابتزاز الإلكتروني.”
أظهرت دراسة أجراها معهد الدوحة الدولي للأسرة، بالتعاون مع مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم “وايز”، ومؤتمر القمة العالمية للابتكار في الرعاية الصحية (ويش)، مبادرة مؤسسة قطر، وجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، أن أكثر من ربع عدد الوالدين الذين تمت مقابلتهم يعتمدون بشكل كبير على استخدام الإنترنت يومياً، وأن أكثر من نصف اليافعين يستخدمون الإنترنت بشكل مكثف. وخلُصت الدراسة إلى أن اليافعين كانوا أكثر عرضة للتعلّق بأجهزتهم والوسائل الرقمية إذا كان ذويهم يستخدمون الإنترنت بكثرة أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت النتائج أنّ المراهقين هم أكثر عرضة للإدمان الرقمي عند ظهور هذه الأعراض على ذويهم. وهو ما يؤكد أهمية أن يكون الآباء قدوة حسنة لأطفالهم في ما يتعلق باستخدام التكنولوجيا.
يشدد الدكتور النعمة على ضرورة تعزيز التفاعل مع الأبناء من خلال إقناع الوالدين بأهمية ترشيد أوقات إستخدامهم للهواتف. ويمكن أن يتم ذلك من خلال فرض قواعد داخل المنزل تمنع استخدام الهواتف خلال أوقات معينة، مثل فترة الغداء، لإظهار أهمية الجلوس والتحدث معًا كأسرة، وتشجيع التفاعل الشخصي مع الأبناء.
ويقول:” لا يجب أن يقتصر الحوار مع الأبناء على الواجبات المدرسية، والمهام المطلوب تنفيذها والأوامر، بل يجب خلق لحظات ممتعة بعيدة عن الروتين اليومي، كأن يدور الحديث حول اهتماماتهم وآرائهم حول مختلف المواضيع، ومشاعرهم، وأن يتشارك الجميع في الأنشطة والألعاب الذهنية والتفاعلية ، كلعبة المونوبولي، المسابقات المعرفية، لتعميق التواصل وبناء ذكريات أسرية معاً”.
ويشير الدكتور النعمة إلى أنه مع دخولنا عصر الذكاء الاصطناعي، لم يعد بإمكان الأهل منع أبنائهم تمامًا من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت. لذا، يجب رفع نسبة الوعي لدى أولياء الأمور حول كيفية التعامل مع التكنولوجيا بفعالية ومسؤولية، بحيث يتمكن الأهل من مراقبة استخدام أطفالهم للتكنولوجيا من دون أن يشعروهم بأنهم تحت المراقبة، مع إتاحة الفرصة لهم للتحدث معهم كصديق عن أي شيء يزعجهم او قد يدور في مخيّلتهم.
يقول الدكتور النعمة:” في ظل التغيّرات السريعة في صيغة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن ندرك أن الذكاء الاصطناعي يمكنه كسر القيود التقنية التي نضعها. لذا، من الضروري أن نبني علاقة صداقة وتفاهم مع أبناءنا، وتزويدهم بالمهارات الفكرية والتربوية اللازمة.”
ويوضّح:” عندما يقوم الأهل بأخذ الأجهزة من أطفالهم للإطلاع على المحتوى الذي يتم تصفّحه، يجب أن يتم ذلك بطريقة لا تزعزع الثقة بينهم وبين أطفالهم، بحيث قد يؤدي شعور الطفل بعدم الثقة إلى الانعزال أو محاولة إنشاء حسابات أخرى سرية. أحيانًا، يجب على الأهل أن يتظاهروا بعدم رؤية بعض الأمور لتجنب الصدامات.”
تلعب الهيئات الحكومية والجهات المختصة، بما في ذلك صنّاع القرار، دورًا أساسيًا في وضع التشريعات التي تحمي خصوصية مستخدمي الإنترنت بشكل عام.
يوضّح الدكتور النعمة:” في معهد الدوحة الدولي للأسرة، لدينا دراسات موجهة خصيصًا لصناع القرار تتناول نوع السياسات والضوابط اللازمة لحماية المستخدمين. فلا ينبغي أن تركز المؤسسات الحكومية فقط على ضبط استخدام الأطفال للإنترنت، بل يجب أن تعمل على رفع مستوى المسؤولية لدى أولياء الامور، من خلال تنظيم المؤسسات التربوية والتعليمية المعنية جلسات لإعطاء فهم شامل حول استخدام التقنيات الرقمية، وإدراك مخاطرها وكيفية استعمالها بطريقة صحية، تربوية وفعالة.
ويختتم:” كما يجب تنظيم محاضرات منتظمة بين المعلمين والمشرفين التربويين وأولياء الأمور في المدارس، وانشاء برامج توعوية للأبناء والطلاب على حد سواء حول مخاطر مشاركة أحوالهم الشخصية عبر وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية .