قد يفكر بعض الأشخاص مرتين قبل تناول صحن من الشواء المحروق، حيث أن هناك اعتقاد شائع بأن الأطعمة المحروقة يمكن أن تسبب السرطان، وهذا يعود في جزء منه إلى جزيء واحد يتشكل في الطعام عندما يتم طهوه في درجات حرارة عالية جداً، يعرف باسم الأكريلاميد، ولكن في حين أن هذه المادة الكيميائية تعرف بأنها عبارة عن سم ومسرطن محتمل في شكلها الصناعي، فإن الصلة بين استهلاكها في الأطعمة والإصابة بالسرطان غير واضحة تماماً.
يرجع سبب معرفتنا للضرر المحتمل الذي يمكن للأكريلاميد أن يسببه إلى أنفاق السكك الحديدية، فمنذ ما يقرب من 20 عاماً، وعندما كان العمال يقومون ببناء نفق يعبر سلسلة تلال هالاندساس (Hallandsås) في شبه جزيرة بجار (Bjäre) في جنوب السويد، بدأت الأبقار في الأماكن القريبة بإظهار أعراض غريبة، حيث أنها كانت تترنح وفي بعض الحالات تنهار وتموت، وهذا ما دفع لإجراء تحقيق أظهر بدوره أن الأبقار كانت قد شربت من مياه ملوثة وأن التلوث كان ناتجاً عن جزيء سام هو الأكريلاميد.
كان عمال البناء يستخدامون بوليمرات هذه المادة، والتي تدعى بولي أكريلاميد، كمادة لسد الصدوع، وكان هذا الاستعمال بحد ذاته آمناً تماماً، ولكن تفاعل تشكيل البوليمر لم يكن كاملاً، لذلك كان بعض الأكريلاميد المتفاعل لا يزال موجوداً، وقد تم إجراء الاختبارات للعمال لمعرفة ما إذا كانوا يمتلكون أيضاً مستويات غير آمنة من مادة الأكريلاميد في دمائهم، وقاموا بمقارنة النتائج مع مجموعة ثانية “ضابطة” من الأشخاص الذين لم يتعرضوا لمادة الأكريلاميد الصناعي كمقياس، ومع ذلك، فقد تبين بأن الأشخاص في المجموعة الضابطة كانوا يمتلكون مستويات عالية من مادة الأكريلاميد في دمائهم.
في البداية كان يعتقد بأن البرغر هو مصدر هذه المستويات، ولكن فيما بعد تم العثور على مستويات عالية من مادة الأكريلاميد في منتجات البطاطس مثل البطاطس المقلية، وكذلك في القهوة، ثم أصبح من الواضح بأن تشكيل الأكريلاميد كان مرتبطاً مع الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات، وليس الأطعمة الغنية بالبروتين، ومع الأطعمة التي يتم تعريضها لحرارة تتجاوز الـ120 درجة مئوية (250 درجة فهرنهايت)، أي الأطعمة التي يتم قليها أو تحميرها أو خبزها، وكان هذا بمثابة اكتشاف جديد، ولكن لا بد وأن مادة الأكريلاميد كانت تتشكل دائماً في هذا النمط من الطبخ منذ أن تم اختراع الطهي.
تتشكل مادة الأكريلاميد جراء التفاعلات بين الأحماض الأمينية الطبيعية للأسباراجين وبعض الكربوهيدرات التي تكون موجودة بشكل طبيعي، ولا يمكن أن تجد مادة الأكريلاميد في الأطعمة غير المطبوخة أو المسلوقة، كما أن تواجد مادة الأكريلاميد يكون أقل احتمالاً في منتجات الألبان واللحوم أو الأسماك، ولا يهم ما إذا كان الغذاء “عضوي” أو لا، فنوع المادة الغذائية هو ما يهم، وجدير بالذكر أيضاً بأن مادة الأكريلاميد تتشكل عندما نقوم بتدخين التبغ.
تبعاً لما تقدم، فقد تم اقتراح “قاعدة ذهبية” وهي: يجب طهي الطعام حتى يصبح أصفر اللون، ولا يجب أن يستمر طهيه حتى يتحول إلى البني أو الأسود، حيث أن هذا يحد تشكيل مادة الأكريلاميد، وذلك على الرغم من أنه إذا قمت بطهي الطعام في درجة حرارة منخفضة جداً، فقد لا يؤدي ذلك إلى قتل جميع البكتيريا التي قد تكون متواجدة في الطعام، لذلك سيكون هناك خطر مضاعف للتعرض للتسمم الغذائي.
على الرغم من أن العلماء حددوا مصدر مادة الأكريلاميد، إلّا أنهم لم يتأكدوا بعد من أن هذه المادة يمكن أن تكون مسرطنة للبشر عند تناولها على الصعيد الذي تتواجد فيه عادة في الطعام المطهي، ومن جهة أخرى، فقد خلصت مراجعة تم إجراؤها في عام 2015 للبيانات المتاحة أن “الأكريلاميد الغذائي لا علاقة له بخطر الإصابة بمعظم أنواع السرطان الشائعة”، وذلك على الرغم من أنها أضافت بأنه قد يكون هناك رابط بسيط لا يمكن استبعاده بين هذه المادة والإصابة بسرطان الكلى، وبطانة الرحم والمبيض لدى أشخاص لم يدخنوا قط في حياتهم.
المخاوف من اللحم
بالعودة إلى الشواء، فإن هناك مواد كيميائية أخرى في اللحوم يمكن أن تكون مصدراً للقلق، وهي تندرج عادة ضمن فئتين، الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAH)، مثل النفثالين والبنزوبيرين، والأمينات الحلقية غير المتجانسة (HCA)، حيث تتشكل الـ(PAH) من الدهون والعصائر التي توجد في اللحوم عندما يتم تعريضها إلى النيران في الطبخ، وتتشكل الـ(HCA) من خلال الطبخ أيضاً، نتيجة التفاعل بين الجزيئات المختلفة بما في ذلك الأحماض الأمينية والسكريات.
أظهرت التجارب على الحيوانات بأن التعرض لمستويات عالية لمواد كيميائية مثل هذه المواد، يرتبط مع مرض السرطان، ولكن هذه المستويات من التعرض التي أجرى الباحثون دراستهم عليها أعلى بكثير المستويات التي يتعرض لها البشر نتيجة تناولهم للحوم، وذلك على الرغم من أن بعض الدراسات أظهرت بأن اللحوم التي يتم تحميرها أو قليها أو شيها ترتبط مع إمكانيات أعلى للإصابة ببعض أنواع السرطان، ولكن كان من الصعب إثبات هذه الروابط بشكل مؤكد.
إذا كنت قلقاً حقاً، فبإمكانك الحد من مخاطر التعرض لهذه المواد، وذلك عن طريق الطهي في الميكروويف بدلاً من اللهب المكشوف، وتقليب اللحوم باستمرار، كما يمكنك أيضاً تناول كميات أقل من اللحوم أو استبدال اللحم بالخضار عند الشوي، بالطبع، قد لا يعود مذاق الطعام بتلك اللذة، وذلك على اعتبار أن الشوي والخبز أو التحمير ينتج الكثير من الجزيئات التي تعزز النكهة، ولكن إذا كنت تتبع نظاماً غذائياً صحياً يحتوي على الكثير من الفواكه والخضروات والمواد الغذائية والحبوب الكاملة، والتي لا يحتوي أي منها على مادة الأكريلاميد، فإن الأمور ستكون أسهل، وفي النهاية فإن كل شيء يعود لطريقة التحضير.