في السابق، كان الصغار يحلمون أحلامًا متواضعة، مثل الذهاب إلى بيت جداتهم، أو النوم على سطح البيت تحت النجوم، أو الفوز في مسابقاتٍ مدرسية. أما اليوم، فقد باتت أحلام الصغار تدور حول اقتناء أحدث أجهزة ألعاب الفيديو أو الهواتف المحمولة أو الساعات الذكية، ليتباهوا بها أمام أصدقائهم. هذا التعلق القوي بالتكنولوجيا أفرز فجوة آخذة في الاتساع بيننا وبينهم.
في إطار فعاليات اليوم الأول لقمة “بالعربي”، الملتقى السنوي الذي تُنظمه مؤسسة قطر لتعزيز الأصوات الناطقة باللغة العربية، أُقيمت جلسة استكشافية بعنوان “كلكم راعٍ”، ناقش خلالها الدكتور عبد الواحد زينل، طبيب ومؤسس أكاديمية “Camel Code_” للبرمجة، مخاوف الآباء في ظل الخطر التكنولوجي الذي يُحدق بأطفالهم. في السياق، قال زينل: “كحال غيري من الآباء، أحلم بأن أصنع فارقًا في حياة أطفالي؛ ولإحداث هذا الفارق، أنا بحاجة لفهم واقعهم وإدراك التحديات والفرص المحيطة بهم. إن الحقيقة التي ينبغي علينا مواجهتها كآباء هي اختلاف الجيل الحالي عن الأجيال التي سبقته”.
وأوضح الدكتور زينل: “في الماضي، كان آباؤنا وأجدادنا يخافون علينا من الأمراض المعدية، واليوم، باتت الأمراض مختلفة، متعمِّدةً التسلل تدريجيًا إلى حياة وعقول الأطفال. لقد أصبح أطفالنا يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات؛ وبصفتي طبيب، سأخبركم بعض تجليات العواقب التي نتجت عن هذا الإدمان الرقمي، من قبيل التأثير السلبي على النمو العاطفي والحسي، والأرق، واضطرابات النوم، وزيادة معدلات السمنة، علاوة على مشاكل نفسية والإصابة بالاكتئاب في سن مبكرة”.
كما تحدث الدكتور زينل عمّا يجب علينا فعله من أجل حماية أطفالنا قائلًا: “من موقع مسؤوليتنا كأولياء أمور، يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”.
إذًا ما الحل؟
اقترح الدكتور الابتعاد عن الحلول الصارمة والمتطرفة التي تزيد من حجم المشكلة بدلًا من الحد منها، لأن واقع الحال يشير إلى أن التكنولوجيا تُحاصرنا من كل الاتجاهات ولا سبيل لتجاهلها. وعليه، دعا الخبير الطبي إلى تبني حلول بديلة تُبقي الأطفال على اطلاع بالتكنولوجيا، وفي نفس الوقت تُحفزهم على استخدامها بحكمة ومسؤولية. وأضاف: “تُعتبر المراكز والأكاديميات التي تُعلّم البرمجة والطباعة ثلاثية الأبعاد حلولًا ناجعة تُمكّن أطفالنا من توظيف التكنولوجيا كأداة لحل المشكلات والإبداع والابتكار، وليست مجرد وسيلة ترفيهية”.
ثم أردف بقوله: “ومن هنا بدأت تتبلور فكرة إنشاء مشروع لتعليم الأطفال البرمجة. وأكثر ما ألهمني لتأسيس هذا المشروع هو كون أبنائي من أوائل المستفيدين منه. وفي النهاية، أسمينا المشروع “Camel Code_” نسبة إلى الجمل الذي يرمز إلى القوة والصبر والقدرة على التكيف مع الظروف الصعبة – وهذا ما تُمثله الأبوة التي تتطلب منا مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات”.
واختتم الدكتور عبد الواحد حديثه بقوله: “قررنا السير على خُطى الجمل بتأني في طريق وعر، وأن نبني مناهجنا بأنفسنا دون الاعتماد على الآخرين، وذلك من أجل الحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية. لقد أدركت لاحقًا أن التكنولوجيا في الواقع ليست هي عدونا الحقيقي. بل الغاية والطريقة التي نستخدم بها التكنولوجيا هي ما قد يُشكّل مصدر التهديد”.