علم النانو هو ذاك العلم الذي يختص بأجسام ما بين 1 نانومتر و 100 نانومتر, و إذا لم تكن تعرف شيئا عن النانو فلا تحزن كثيرا, لست وحدك! فاستطلاعات الرأي في أمريكا الشمالية تخبرنا أن من أصل كل عشرة أشخاص فقط ثلاثة أشخاص بإمكانهم التعليق على ماهيتها. و إذا كان السؤال عن “اختراع” النانو أو الفيمتو فالسؤال بالطبع خاطئ. ذلك أن كلمة النانو وحدها لا تعني شيئا إلا: “جزئ من مليار جزء”. أكيد تعرف أن المتر هو مائة سنتيمتر أو بمعنى آخر أن السنتي-متر هو جزء من مائة من المتر. ربما ذلك يعني أن كلمة سنتي “جزء من مائة” ؟ بالطبع هي كذلك و مثلها حين نقول أننا استخدمنا المسطرة لقياس كذا ميلي-متر فنحن نعرف أن كلمة الميلي هي جزء من الألف. لنعمم الأمر إذا, كل تلك الكلمات: “ديسي, سنتي, ميللي,… نانو, بيكو,.. إلخ” ما هي إلا تعبير عن وحدة قياس و بإمكانك القول: نانو-متر و أيضا نانو-ثانية وفي الحالتين سيكون المعنى أنك تقصد جزء من المليار (10−9) من المتر أو الثانية. وكذا الحال مع بقية المصطلحات في الجدول. ولكن ماهو علم النانو إذا؟!
الاختصار | القيمة الأسية | القيمة العشرية | |
سنتي – centi | c | 10^-2 | جزء من المائة |
مللي – milli | m | 10^-3 | جزء من الألف |
ميكرو – micro | µ | 10^-6 | جزء من المليون |
نانو – nano | n | 10^-9 | جزء من المليار |
بيكو – pico | p | 10^-12 | جزء من التريليون |
فيمتو – femto | f | 10^-15 | جزء من الكوادريليون |
يوكتو – yocto | y | 10^ -24 | جزء من السيبتيليون |
هناك ثلاثة أشياء لابد أن نفرق بينها أولا: مقياس النانو
nanoscale , وعلوم النانو nanoscience, و النانو تكنولوجي nanotechnology. لنتخيل أنك تريد قياس نانومتر على مسطرة ليكون معك مقياس نانو. ستحتاج إلى تقسيم الميليمتر على المسطرة إلى مليون جزء للحصول على قياس 1 نانومتر صحيح. لدى علماء النانو الآن مقياس من 1-100 نانومتر يمكنهم من قياس 100 نانو متر وهو كاف لقياس أبعاد فيروس. وعليه فإن شعرة الرأس التي هي أصغر ما يمكننا رؤيته بالعين المجردة, و التي هي 10 آلاف نانو لا تصلح لمقياس النانو الذي ابتكرناه. ولم يكن مقياس النانو هذا ممكنا قبل معرفة الميكروسكوب الإلكتروني عام 1931 بواسطة ماكس كلوت و إرنست روسكا الألمانيين. ولكن إنبهار البشرية الحقيقي بالنانو متر لم يكن في أوجه حتى أواخر الخمسينات. ففي العام 1958 خرج الفيزيائي الياباني ليو إيساكي ليقول أن الفيزياء التي تحكم الذرات و المواد في مقياس النانو ليست كالفيزياء الكلاسيكية و أسماها الفيزياء الكمية Quantum mechanics. وبعدها انطلق العالم أجمع في البحث تارة فيما خلق الله لنا أصلا على الأرض يتدارسونه بالمقياس الجديد و تارة يبتكرون و يصنعون أجهزة في مقياس النانو. وجرى اصطلاح التدارس بعلم النانو و جرى تسمية التصنيع بالنانو تكنولوجي.
لم يكن انبهار العالم بهذا البعد الجديد شيئا هينا, فها نحن نعرف أنواع فيروسات أكثر, نعرف الحمض النووي و نحلله و نفكر في تخليقه… ها نحن نحاول هندسة حمض نووي… ربما بكتريا… ها نحن نعيد رؤيتنا للمواد التي عرفناها منذ القدم, الذهب مثلا يظن البعض أن لونه ذهبي! هذا ما تراه عيونهم المجردة ولكن علماء النانو يثبتون أن للذهب ألوان أخرى بحسب ترتيب الذرات وشكلها (راجع الشكل 2 أدناه). ها نحن نغير من الخواص الفيزيائية لنفس المواد التي عرفناها من قبل, فنصنع زجاجات لا تتعلق بها البكتريا… ربما لأن البكتريا 1000 نانو-متر… ونحن –العلماء- نلهو بترتيب الذرات عند الواحد نانو متر… تماما كما يصنع النجار طاولة بطول متر على طريق طوله عدة كيلو مترات!
و تغير كل شئ فجأة, لم يعد علم الإلكترونيات ولا حتى الميكرو-إلكترونيات كافيا لطموح العلماء, انخرط العلماء في علم النانو-إلكترونيات. بإمكانهم الآن صنع شريحة إنتل في حاسبك الشخصي وأصغر بعد لترانزيستور فيها يقارب ال 30 نانومتر وفي القريب سيكون في حاسبك الشخصي 20 نانو متر و ربما أقل… مسألة وقت.
أصبح بمقدورنا الآن تصنيع أجهزة في حجم حبة الدواء… تحمل مصنعا كاملا عليها, بإمكانها الدخول إلى جسدك ومن ثم الوصل إلى هدفها و التعامل مع المرض… تغيرت خارطة التفكير في عالم الأدوية. أصبح ممكنا حقن الدم بأجهزة متناهية الدقة في نطاق الميكرو متر تسير كالعربات في الدم لها طرق… تماما كأجهزة الروبوت التي تعرفها… وانخرط العلماء في تحليل هذه الحركة الجديد و تصميم الطرق داخل جسد الإنسان وكأن الباب مفتوح على مصراعيه… عند النانو متر يبدو كل شئ وكأنه الفضاء…. تبدأ حدود عالم آخر. عالم ينظر فيه إلى خلايا السرطان بشكل أوضح و أدق… بإمكاننا الآن زراعة قضبان في حجم النانو متر مغطاة بالذهب ومحملة بغرفة حرارية بإمكانها تدمير خلايا السرطان و الاختراعات و الابتكارات و العلوم المشتقة من كل ذلك لا تنتهي… كل يوم هناك فكرة مجنونة… قابلة للتحقيق!
في وسط كل ذلك الكوكب الآخر يبدو عالمنا العربي مشدوها… بعيدا عن الواقع بأميال. يظن البعض أن الغرب يتنبأ بالمستقبل ولكن الواقع أن العلماء –وكثير منهم من العرب- يشاركون في صنعه الآن ولكن في الغرب. تدرس الجامعات العربية مادة الإلكترونيات بينما ظهر علم الميكرو-إلكترونيات و أهلكه العالم بحثا و تنقيبا و صناعة و أكمل طريقه إلى النانو إلكترونيات ولا يزال البعض غارقا في غياهب الماضي و لا يخرج منها. تحاول بعض الحكومات العربية جاهدة اللحاق بالركب ولكنها تواجه أحد ثلاث معضلات: المعضلة الأولى: أن يكون لديها المال بدون خبرات. والمعضلة الثانية أن يكون لها خبرات بلا مال. والثالثة: أن يكون لها مال و خبرات ولكن بلا توجه “عام” وهدف واضح للدولة. على أن هناك بعض النماذج المحدودة الناجحة في وطننا العربي منها مثلا بعض الشركات الناشئة في مصر و تونس وبدايات دعم مادي لتعليم الشباب في بعض الجامعات الخليجية. وبعيدا عن ذلك, يجادل بعض الجهال بأن تلك العلوم لا تنفعنا لأنها متطورة أكثر مما ينبغي و نجيب ببساطة تخلى عن حاسبك الشخصي و هاتفك المحمول و ربما طعامك المعدل جينيا و سائر المنتجات الصينية و الأمريكية من حولك في المستشفيات و المصانع… لأنها كلها منتجات هذه العلوم.
وأخيرا, أنت الآن تعلم, حين يخبرك أحدهم أن د. أحمد زويل قد “اخترع” الفيمتو-ثانية, اخبره أن الفيمتو مقياسا يساوي جزء من الكوادريليون أي عشرة مرفوعة للأس سالب 15. وأن الرجل حينما استطاع ان يبتكر كاميرا تصور هذا الوقت الدقيق كان هو الآخر فتح بابا من العلم لم تعرفه البشرية من قبل… بإمكاننا الآن النظر و –ربما- التحكم في التفاعلات الكيميائية و استنتاج قوانين فيزيائية جديدة و مواد كيميائية جديدة. هو البعد الرابع بعد الأبعاد الثلاثة للجسم… ولذلك فإن عمل د. زويل اليوم يقوم على صناعة ما يسميه بميكروسكوب البعد الرابع… وهناك فروع أخرى من العلم تناسب رؤيتنا لبعد الفيمتوثانية في خلق الله.. وللحديث بقية عن التطبيقات و العلوم الأخرى و ربما عن…. اليوكتو؟
الأشكال:
شكل 1:
شكل يوضح مقياس الأشياء, و مصدره:
*Images © Dennis Kunkel Microscopy, Inc
شكل 2:
شكل يوضح ألوان ذرات الذهب و الفضة اعتمادا على حجمها و شكلها. و المصدر جامعة نورث ويسترن.
Silver and Gold particles have different colors depending on size and shape.
© Northwestern University
شكل 3:
شكل يوضح مقياس الأشياء, المصدر: وزارة الطاقة الأمريكية. ملحوظة: الصورة 10 ميجا ونسخة بجودة عالية على الرابط :هنا.
نشر هذا المقال أولا مطبوعا في مجلة (https://www.dialupmagazine.com/)Dial-Up في عدد يونيو 2011, وهذه نسخة من العدد كاملا: هنا. والنسخة المنشورة في هذه الصفحة هي النسخة الأصلية قبل تعديلات النشر المطبوع.