وفقاً للدكتور (جوزيف موراي) وهو طبيب مختص في أمراض الجهاز الهضمي، فليس هناك سبب على الإطلاق بالنسبة لمعظم الأشخاص لكي يتجنبوا تناول الغلوتين، ولكن هذا التصريح يجعلنا نتساءل عن السبب الذي جعل (موراي) يكتب كتاباً يعلم فيه الأشخاص كيفية تجنب الغلوتين – وهو بروتين يوجد في القمح والشعير- إذا كانت هذه المادة آمنة ومغذية.
تبعاً لـ(موراي) فإن هناك الكثير من المرضى الذين أشاروا إلى أن تناولهم للمنتجات الغذائية الخالية من الغلوتين جعل حالتهم الصحية تتحسن، على الرغم من أنهم لا يعانون من أي اضطرابات هضمية وخاصة حساسية القمح (السيلياك)، وعندما عادوا لتناول القمح مرة ثانية شعروا بحالتهم تسوء من جديد.
هناك حوالي 1% من سكان الولايات المتحدة يعانون من مرض حساسية القمح (السيلياك)، وبالنسبة لهؤلاء الأشخاص فإن تناول الغلوتين يطلق رد فعل مناعي ذاتي يضر بالأمعاء ويمنع امتصاص المواد الغذائية التي توجد في الطعام بشكل صحيح، وهذا يمكن أن يسبب للمصابين بأمراض الجهاز الهضمي فقدان كبير في الوزن، ونقص في الفيتامينات، وآلام مزمنة وإسهال وتعب، كما يسبب الإجهاض المتكرر لدى النساء.
في حين أن مرض حساسية القمح (السيلياك) يؤثر فقط بشخص واحد من بين كل 133 أميركي، فإن هناك أكثر من عشر أضعاف هذا العدد من الأشخاص الذين يتجنبون تناول الخبز والمعجنات لأنها تحتوي على الغلوتين، وعند سؤالهم عن السبب أشار ربع الأمريكيين في دراسة حديثة بأنهم يعتقدون أن الغلوتين لا يحتوي على أي فائدة غذائية –وهذا أمر غير صحيح-.
ما بين الأشخاص الذين يسبب لهم تناول الغلوتين رد فعل مناعي، وأولئك الذين يعتقدون خطأً بأن الغلوتين هو مادة سيئة، تظهر مجموعة ثالثة من الأشخاص –تقدر نسبتهم من 0.6% إلى 6% من الأميركيين – يعتقدون أنهم يعانون من حساسية الغلوتين الغير مرتبطة بحساسية القمح (NCGS)، هؤلاء الأشخاص يعانون من مشاكل هضمية ومزاجية ونقص في الطاقة، ويعتقدون بأن حالتهم تتحسن عند إتباع نظام غذائي خال من الغلوتين، ولكن عند إجراء اختبارات الدم يظهر بأنه ليس لديهم أجسام مضادة لمرض الاضطرابات الهضمية (السيلياك)، كما تظهر الخزعات المعوية أن لا وجود لديهم للضرر الذي يسببه مرض السيلياك، وهؤلاء المرضى ليس لديهم حساسية غذائية تقليدية تجاه القمح، ولكن مع ذلك، فإنهم يعانون من أعراض مثل الانتفاخ، والإسهال، والتعب، والغثيان، والصداع النصفي، والتهيج، وتقلب المزاج، والاكتئاب، وآلام والتهاب المفاصل، وتوسع خلايا الدم الحمراء، والدوار، وظهور حب الشباب، فإذا ما الذي يسبب هذه الأعراض لديهم ؟
لطالما كان الأطباء والباحثين يبحثون عن إجابات لهذا السؤال، ولكن مع عدم وجود أي اختبار لتحديد الـ(NCGS) لم تكن هذه المهمة سهلة أبداً.
إحدى الدراسات التي تم نشرها في شهر شباط من العام الجاري بحثت في 118 شخص إيطالي أشاروا بأنهم يعانون من حساسية الغلوتين الغير سيلياك (NCGS)، وقام الباحثون بإقصاء نصف المتطوعين لعدم مطابقتهم للمعايير المشروطة، ومن ثم قاموا بمعالجة 59 مشترك من خلال إعطائهم لعلاج وهمي (بلاسيبو)، وتضمن هذا العلاج كمية صغيرة من بروتين الأرز، وبعد ذلك تم إعطاؤهم كمية من الغلوتين ضمن الدواء الوهمي، وبعد انتهاء التجربة تبين بأنه ثلاثة مرضى من المشاركين زادت لديهم أعراض المرض عند اعطائهم الغلوتين.
كانت هذه الدراسة بمثابة إثبات على أن حساسية الغلوتين هي مرض حقيقي وموجود بالنسبة للبعض، ولكن الدكتور (ستيفانو جانداليني)، وهو مؤسس ومدير مركز أمراض السيلياك في جامعة شيكاغو، كان لديه تفسير مختلف للنتائج، حيث أشار إلى أن هناك عدد صغير جداً من الأشخاص الذين يعانون من الحساسية تجاه الغلوتين من دون المعاناة من مرض (السيلياك).
وهناك العديد من الأشخاص مثل (جانداليني) يتشككون بأن يكون مرض الـ(NCGS) منتشراً بالقدر الذي يزعمه المرضى، حيث يعتقد (موراي) أيضاً أن هؤلاء المرضى الذين يعانون من حساسية الغلوتين الغير مرتبط بحساسية القمح، أو ما يطلق عليهم بالمرضى المصابين بـ”السيلياك المخفف” موجودين حقاً ولكنهم نادرين، ولكن إذا لم يكن هناك سوى عدد صغير من مرضى الـ(NCGS) الذين يعانون حقاً من أعراض متعلقة بالغلوتين، فماذا يحدث مع باقي الأشخاص الآخرين الذين يشكون من مشاكل في الجهاز الهضمي؟
يشير (جانداليني) إلى أن هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى عدة مجموعات، فيمكن أن يكون بعضهم لا يزالون في المراحل المبكرة لمرض (السيلياك) قبل ظهور علامات المرض لديهم بشكل واضح، أما بعضهم الآخر فمن المرجح أن يكون لديهم حساسية من القمح، كما أن هناك العديد من الأشخاص الذين يعانون من حساسية الفودماب، وهي تعني الحساسية تجاه الخمائر والسكريات الثنائية والسكريات القليلة التعداد والسكريات الأحادية والبوليولات، وهي عبارة عن أنواع معينة من الكربوهيدرات التي توجد عادة في القمح والعدس والفطر، حيث يمكن لهذه المواد أن تسحب الماء إلى الأمعاء وتسبب التهيج، مما يؤدي لحصول مشاكل في الجهاز الهضمي لدى بعض الأشخاص، وهذا ما أشارت إليه بالضبط دراسة ثانية تم إجراؤها في عام 2013، حيث أنها بينت أن الحساسية تجاه الكربوهيدرات التي توجد في القمح قد تؤدي إلى حدوث أعراض يعتقدها الكثيرون على أنها ردة فعل سيئة تجاه الغلوتين.
أظهرت هذه الدراسة سابقاً أن المرضى الذين كانوا قد أشاروا إلى أنهم يعانون من الـ(NCGS) تحسنت حالتهم عند إتباعهم لنظام غذائي خال من الغلوتين، حتى عندما كانوا لا يعرفون ما إذا كانوا يأكلون الغلوتين أم لا، وعندما بدأ الفريق بإجراء الدراسة الثانية، كان من المتوقع أن يتم تأكيد نتائج الدراسة السابقة، ولكنه لم يحدث ذلك، ففي هذه المرة، قام الباحثون أولاً بتخفيض كمية مواد الفودماب في الوجبات الغذائية للمشاركين، وبعد ذلك قاموا بإرجاع الغلوتين للنظام الغذائي لمجموعة من المشاركين في حين أعطوا المجموعة الأخرى دواء وهمياً، وقد بينت النتائج أنه لم يكن هناك أي اختلاف في ردود فعل المشاركين على الإطلاق.
خلص الفريق الاسترالي إلى أن معظم المرضى الذين يعتقدون بأنهم لا يستطيعون تحمل الغلوتين كانوا في الواقع يعانون من حساسية تجاه مواد الفودماب، حيث أنه بمجرد أن قاموا بالتقليل من استهلاك هذه الكربوهيدرات إلى كمية معينة، تبين بأن الغلوتين لا يشكل أي مشكلة بالنسبة لهم.
تمتلك الأطعمة التي تحتوي على الغلوتين لتأثير وهمي كبير على العديد من الأشخاص أيضاً، فقد يشعر البعض بأن صحتهم تصبح أفضل عند تناول نظام غذائي خال من الغلوتين لأنهم ببساطة يتوقعون ذلك، كما أن هناك تأثير آخر لهذه المأكولات، حيث أنها قد تجعل بعض المرضى يشعرون بأن حالتهم تصبح أسوأ عندما يتناولون أي شيء يعتقدون بأنه سيئ بالنسبة لهم، وهذا التأثير يدعى بـ(nocebo).
يقول (موراي)، معظم الأشخاص الذين يتخلون عن الغلوتين في نظامهم الغذائي ينتهي بهم الأمر إلى تناول كميات أقل من الطعام، وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الجهاز الهضمي، فإن تناول كميات أقل من الطعام يمكن أن تجعلهم يشعرون على نحو أفضل، ولكن هذا ليس حلاً مستداماً بالنسبة لهم، وإذا ما قمنا بإقصاء هذه الحالات المتنوعة من الإضطرابات الهضمية لا يتبقى لدينا سوى مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات غير مبررة.