قد تبدو فكرة احجام العالم عن استخدام الفحم والغاز لتوليد الكهرباء بحلول عام 2030 أمراً يدعو إلى التشكك حتى من قبل علماء البيئة، فعلى الرغم من أن هذه الفترة تبدو قصيرة جداً، إلّا أن تنفيذ التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة في هذه الفترة الزمنية ممكن بالتأكيد، كون العلماء يمتلكون التكنولوجيا اللازمة لذلك، حيث يتوافر لديهم حالياً أحد أهم الشروط للتحول، وهو وجود طاقة نظيفة ومتجددة قادمة من الرياح والطاقة الشمسية.
من المتفهم أن تكون هذه الفكرة مثيرة للشكوك، وذلك لأنه من السهل أن ننسى حقيقة أن التكنولوجيات الجديدة تنتشر بسرعة، ففي بداية القرن 20، كانت السيارات غريبةً وباهظة التكاليف، ولكن مصنّع سيارات فورد (هنري فورد) باع ما يصل إلى 15 مليون سيارة من طراز (T) قبل التوقف عن انتاجها في عام 1927، وفي حينها كان سعرها قد انخفض إلى الثلثين.
يتوقع لتكنولوجيا الطاقة النظيفة بالانتشار، لعدة أسباب ترجع لكونها طاقة أنظف وأكثر صحة وأماناً من الوقود الاحفوري، كما أنها ستكون اقتصادية بشكل أكبر من موارد الطاقة الحالية، فبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية أنه في كل سنة يتأخر فيها العالم عن اتخاذ الإجراءات الضرورية للحد من تغير المناخ، فإن العالم ينفق حوالي 500 مليار دولار إضافية على النفقات المعتادة، وقد تم تحديد جميع المخاطر الاقتصادية التي يمكن أن تنجم عن اختلال المناخ بالتفصيل في تقرير صادر عن مشروع (Risky Business Project)، حيث يوضح التقرير فيما يتعلق بالعقارات وحدها، أن الخسائر المتوقعة للأملاك البحرية في أمريكا ستبلغ 66 مليار دولار إلى 106 مليار دولار، كون الأملاك البحرية الحالية سيتم دفنها تحت الأمواج قبل عام 2050 في حال واصلنا السير على ذات النهج البيئي الحالي، وقد يصل هذا الرقم إلى 507 مليار دولار بحلول عام 2100 في أمريكا وحدها.
إن التغيرات المناخية المتطرفة بدأت بالفعل تظهر آثارها على الاقتصاد، وهو ما يفسر السبب الذي جعل معظم أصحاب الأعمال الصغيرة يدعمون قرار الاتحاد الفدرالي الأمريكي في الحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن محطات توليد الطاقة، وليس من المستغرب أن يكون أصحاب صناعات الوقود الأحفوري هم المعارضون الأشرس لهذا القرار، فعلى الرغم من اعتراف الرئيس التنفيذي لشركة اكسون موبيل (ريكس تيلرسون) في اجتماع له مع المساهمين مؤخراً بأن الاختلال المناخي هو حقيقة فعلية، وأن آثاره ستكون قاسية، ولكنه أضاف أن هذه المشكلة هي في أساسها “مشكلة في إدارة المخاطر”، أي بعبارة أخرى، فإن (تيلرسون) يشير إلى أن شركته ستقوم باستخراج كل ما يمكنها من النفط والغاز إذا مالم يتم إيقافها.
هنا يجب علينا طرح السؤال التالي، هل ماتزال هناك تحديات تكنولوجية واقتصادية يجب تخطيها للوصول إلى الهدف المطلوب؟ الجواب هو بالطبع، فعلى سبيل المثال، إن شبكة الكهرباء الموجودة حالياً لم يتم تصميمها لتتعامل مع مصادر الطاقة المتجددة، وإن تكاليف تطويرها لتتعامل مع مصادر الطاقة المتجددة ستكون كبيرة جداً، وذلك على الرغم من أن المردود سيكون توفير وقود مجاني إلى الأبد، والمشكلة الأخرى هي أن إجراء الانتقال من الوقود الاحفوري إلى الوقود المتجدد يتواجه مع مشكلة ضرورة الحفاظ على إيصال الطاقة الكهربائية إلى الجميع أثناء هذه المرحلة الانتقالية، فضلاً عن ضرورة دعم العاملين في صناعات الوقود الأحفوري الحالية لأنهم سيكونون الأكثر تضرراً هذه المرحلة الانتقالية نتيجة لتوقف أشغالهم.
ولكن على الرغم من الصعوبات فإن الانتقال أمر ممكن التنفيذ، وذلك ليس فقط لوجود عاملي التكنولوجيا والاقتصاد في صالحنا، ولكن أيضاً لوجود الإرادة، حيث أن المعايير الجديدة التي أطلقتها وكالة حماية البيئة لخفض تلوث الكربون لاقت دعماً شعبياً عارماً، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن 70 % من البالغين في الولايات المتحدة يدعمون إصدار قرارات من الحكومة الاتحادية تهدف للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من محطات توليد الطاقة القائمة، وذلك في محاولة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.