في أفلام الخيال العلمي يختفي البطل ليظهر في مكانٍ آخر في لمح البصر, لطالما ظننّا أن هذه من صفات الأشباح فقط, وذلك لأنّنا لم نكن نسمع وقتها عن ميكانيكا الكمّ.
التشابك الكمّي ونقل المعلومات أسرع من الضوء
وَصَفَه أينشتاين بمصطلح “التأثير الشبحي عن بُعد” وحتى الآن يعجز العلماء عن تفسير هذا السلوك العجيب للجزيئات المتشابكة ولن نكذب إذا قلنا أنّه شبحيّْ بحقّ.
الجزيئات المتشابكة هي جزيئات تتواصل فيما بينها مهما بعُدت المسافة بينها في الكون, بفرض وجود إلكترونين متشابكين لابد وأن تكون الحركة المغزلية –حركة دورانه حول نفسه- لأحدهما عكس حركة الآخر. ولأنّ في عالم الكمّ يعتمد الأمر على المراقبة, فبمجرد رصد أحدهما ومعرفة اتجاه حركته يمكن من خلال ذلك معرفة حركة الآخر كذلك, حيثُ يتحتم على الآخر أن يكون يدور في الاتجاه الآخر بحكم التشابك القائم بينهما.
في إحدى حلقات برنامج “الكون الأنيق” لبراين جرين, يدخل براين إلى إحدى الغرف الشفافة -والتي تحوي قدرًا من الجزيئات- في نيويورك, ويخرج بسرعة جدًّا في غرفة مشابهة في باريس, تحتوي الغرفة الأخيرة على جزيئات متشابكة مع تلك المتواجدة في غرفة نيويورك.
ما الذي يحدث؟
حسنًا, إنّ إحدى المميزات التي لم نذكرها آنفًا أنّ لدى الجزيئات المتشابكة قدرة فائقة في نقل المعلومات بسرعة تتجاوز حتى سرعة الضوء.
في وقتٍ سابق, جرّب العلماء نقل معلومات عبر جزيئات متشابكة بالفعل, ونجح الأمر.. بدأ علماء مثل أنطون تسايلينغر بتجربة التشابك على جزيء وحيد في بداية هذا القرن, كما سنشرحُ تاليًا, ثم تطوروا قليلًا فتمكّنوا من نقل الكيوبت Qubit -وهو نظام كمّي ثنائي الحالة ذو بُعدين- ثمّ مؤخرًا نجح علماء من النمسا والصين في نقل الكويترت Qutrit – وهو وحدة معلومات كمّية موصوفة بتراكب ثلاث حالات كمّية, أي ذو أبعاد ثلاثة, مما أعطى أملًا عظيمًا أمام نقل الأجسام ثلاثية الأبعاد, وفي حالة براين جرين فالأمر أكثرُ رعبًا.
تعتمد فكرة السفر من خلال النقل الآني الكمّي على عملية تبادل الجزيئات المتشابكة المعلومات فيما بينها. في التجربة التي أجراها عالم الفيزياء أنطون تسايلينغر في جزر الكناري لدراسة تأثير التشابك الكمّي على فوتونين, قام أنطون -بعد تحضير فوتونين متشابكين في المعمل- بوضع فوتونًا على جزيرة “لا بالما” بينما أرسل الفوتون الآخر إلى جزيرة “تنريفي” التي تبعُد 89 ميلًا, أحضر بعد ذلك فوتونًا ثالثًا وتركه يتفاعل مع فوتون جزيرة “لا بالما”, انتقلت معلومات الفوتون الثالث بفعل التشابك الكمّي إلى فوتون جزيرة “تنريفي” الذي تَحَوّر ليُحاكي الفوتون الثالث, وبمعنىً آخر اختفى الفوتون الثالث من مكانه, وظهر في الجزيرة الأخرى في لمح البصر.
في حالة انتقال إنسان مثل براين جرين, نحن بحاجة لنقل معلومات كافة خلاياه, أي عشرة تريليون خلية, نحتاج لنقل معلومات عن أشكال تلك الخلايا, مواقعها وترتيبها بالنسبة لبعضها البعض. تتكفل الجزيئات المتواجدة في جهاز نيويورك بنقل تلك المعلومات لنظيرتها المتواجدة في باريس, والتي تستغل المعلومات من أجل تشييد كيان جديد. يتبع هذه العملية تلاشي الجسد الأصلي, وإنشاء جسد جديد في المكان المراد التنقّل إليه, وشرطٌ حتميٌّ لابدّ منه هو تلاشي النسخة الأصلية, الأمر الذي يفتح سيلًا من الاحتمالات.. هل النسخة التي تلاشت هي نفسها التي تكوّنت؟ هي نسخة تحمل نفس الخصائص, وتتطابق معها, ولكن هل النسخة الأولى هي التي تظهر على الجانب الآخر حقًّا؟ هل الإنسان مجرد مجموعة من الخلايا ليس إلا؟
على كلٍ لازال لدينا مُتّسعٌ من الوقت للتفكير في إجابة لهذا السؤال بكل نواحيه الفلسفية, فلازال أمام ميكانيكا الكمّ الكثير والكثير حتى تُمكّنُنا من نقل أول إنسان نقلًا آنيًّا لأي مكانٍ في الكون.
المصادر:-