الإجهاد، قلة النوم ومتطلبات الحياة الحديثة، جميع هذه الأسباب يمكن أن تعبث بذاكرتنا.
هل حدث وأن تخلفت عن حضور اجتماع غداء قلت بأنك ستحضره، أو نسيت وعداً كنت قد قطعته لصديق، هذه الهفوات الصغيرة من الذاكرة تحدث لنا جميعاً من وقت لآخر، ولكن إذا بدا بأن الدماغ أصبح غير قادر على التمسك بالمعلومات الجديدة بنحو متزايد، فقد يكون الإجهاد هو السبب.
بحسب (جيسون رادلي)، وهو أستاذ مساعد في علوم الدماغ في جامعة ولاية أيوا، فإن هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن التوتر المزمن يمكن أن يؤدي إلى ضعف في الذاكرة، وقد أظهرت أبحاث (رادلي) بأن ارتفاع مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول) بشكل آني أو مستمر قد يحد من عدد نقاط الاشتباك العصبي في القشرة الأمامية الجبهية للدماغ والحصين، وهي مناطق تعتبر ضرورية لأداء العديد من الوظائف الدماغية، بما في ذلك الذاكرة.
يشير (رادلي) بإن مستويات الإجهاد ترتفع بشكل طبيعي مع التقدم في العمر، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعانون من التوتر المزمن، فيبدو بأن التعرض التراكمي للكورتيزول على مدى الحياة قد يؤدي إلى إرهاق الدماغ وتخفيض الأداء الإدراكي.
من غير الواضح ما إذا كان المرور بأسبوع أو بشهر متوتر للغاية يمكن أن يجعل الشباب أكثر عرضة للنسيان، ولكن من المؤكد أن هذا يمكن أن يؤثر على النوم.
تبعاً لـ(كريستوف نيسن)، أستاذ طب النوم في جامعة فرايبورغ في ألمانيا، فإن قلة النوم يمكن أن تحدث خللاً في عملية دعم وتقوية الذاكرة، أو ما يدعى بعملية الفرز والتخزين، حيث تشير الأبحاث بأن النوم يوفر فرصة للدماغ لتكرار وتعزيز الذكريات الجديدة، وذلك بالإضافة إلى التخلص من الأشياء التافهة التي لا يحتاج إلى تذكرها.
يمكن لقلة النوم أيضاً أن تؤثر سلباً على قدرة الدماغ على ترميز الذكريات الجديدة، لذلك يمكن لليلة من الحرمان من النوم أن تعيق تشكل الذاكريات لدينا بأكثر من طريقة، ولهذا يجب علينا جميعاً أن نسعى للحصول على ثماني ساعات من النوم كل ليلة، على الرغم من أن النوم لست ساعات خلال فترات متباعدة لا يمكن أن يؤدي لإحداث الكثير من الضرر للذاكرة.
إلى جانب التوتر والنوم، يمكن للقيام بتأدية العديد من المهام في وقت واحد أيضاً أن يقلل من قدرة الدماغ على تخزين ذكريات جديدة، حيث يشير (ديفيد ماير)، وهو أستاذ في علم النفس والإدراك في جامعة ميشيغان والذي درس آثار تعدد المهام على الذاكرة، بأن القيام بالعديد من المهام في وقت واحد، يؤدي إلى تداخل العمليات التي عادة ما تكون مكرسة 100% للقيام بالوظائف العقلية التي تنقل المعلومات من الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد.
إلى جانب ذلك، أشار (ماير) إلى تجربة معروفة قام خلالها الباحثون بمراقبة نشاط الدماغ لدى الأشخاص الذي كانوا يحاولون تعلم معلومات جديدة أثناء قيامهم بالعديد من المهام في وقت واحد، ومن ثم قارنوا نتائج تلك المجموعة مع مجموعة ضابطة كانت تركز فقط على تعلم المعلومات الجديدة، وقد بينت النتائج بأن مجموعة المهام المتعددة عانت من اضطرابات في أجزاء الدماغ التي يتم استخدامها من أجل دمج التعلم بالذاكرة، وفي اختبار المتابعة، كانت معدلات الخطأ لدى الأشخاص في مجموعة المهام المتعددة أعلى من نظرائهم في مجموعة التركيز التام.
أخيراً يجب القول بأن عقلك يحتاج لأخذ فواصل صغيرة بعد تأدية كل مهمة، وذلك من أجل التأكد من أنه سيحتفظ بالذكريات الجديدة، فإذا كنت ترد على رسائل البريد الإلكتروني أثناء مشاركتك في مؤتمر عبر الهاتف أو دردشة مع زميلك، فإن دماغك الذي يقوم بالعديد من المهام لن تتاح له الفرصة لتخزين المعلومات الجديدة التي يجمعها.