هل خطر في بالك هذا السؤال من قبل؟ الطيور كائنات فريدة تمتلك القدرة على مقاومة الجاذبية الأرضية والطيران بخفة وسرعة. ولكن ماذا سيحدث لو وُجدت في بيئة منعدمة الجاذبية؟ هذا السؤال لا تنحصر أهميته في إرضاء فضولنا فقط، بل يساعد العلماء في فهم تأثير الفضاء على الكائنات الحية والتخطيط للرحلات الفضائية المستقبلية.
إلى ماذا تحتاج الطيور لكي تطير؟

لنجيب على سؤالنا الأساسي، نحتاج لفهم الكيفية التي تطير بها الطيور في الأساس هنا على الأرض. الجاذبية الأرضية تؤثر على الطيور وتشدها بصورة مستمرة لأسفل، ولذلك فهي تحتاج لقوة أكبر تدفعها لأعلى. ولتتمكن من فعلها، تحرك الطيور جناحيها في حركات متتابعة لأعلى وأسفل. تلك الحركات تجعل الهواء يسير فوق جناحيها بسرعة أكبر من تحته.
الفرق في سرعة الهواء بين أعلى وأسفل يخلق مناطق مختلفة في ضغط الهواء، المنطقة التي تعلو جناحيها تكون منخفضة الضغط، وتلك التي تقع أسفل جناحيها تكون مرتفعة الضغط. وجود منطقتين مختلفتين في ضغط الهواء يجعل المنطقة ذات الضغط المرتفع تعمل بمثابة قوة دفع كبيرة ترفع الطائر لأعلى في اتجاه مضاد لجاذبية الأرض، وبالتالي يتمكن من الطيران. إذاً، لكي تطير الطيور على كوكب الأرض، فهي تحتاج للهواء وللجاذبية بصورة أساسية. الفضاء؟
الفضاء: بيئة مختلفة!

حسناً فلنتجه لأعلى من ما تقدر الطيور على الذهاب إليه، إلى الفضاء. الفضاء هو حرفياً فراغ، مساحة شاسعة تخلو من الهواء والجاذبية، أي من العاملين الأساسين لطيران الطيور على الأرض، وبالتالي ستواجه الطيور مشكلة كبيرة تحتاج لحلها من أجل أن تتمكن من الطيران، باعتبار أننا تمكننا من توفير غاز الأكسجين لها اللازم للتنفس لا محالة!
هل يمكن للطيور أن تطير في الفضاء؟

جئنا للسؤال المهم، هل بغياب الهواء والجاذبية ستتمكن الطيور من الطيران في الفضاء؟ الإجابة هي بالطبع لا! فهي تحتاج لكل منهما من أجل خلق قوة دفع كافية لرفعها لأعلى. لكن ماذا سيحدث لو تمكننا من توفير الهواء لها؟
فلنتخيل أننا صنعنا للطيور حجرة شاسعة على متن إحدى المحطات الفضائية حيث نجد انعدام تام الجاذبية ولكن مددناها بالهواء، ماذا سيحدث؟ سيواجه الطائر مشكلة في البداية، فقوة الدفع التي كان يحتاجها من أجل الصعود لأعلى لم تعد لها حاجة الآن، فهو بالفعل يتحرك لأعلى بدون مجهود!
لتتصور الأمر بصورة أقرب، فهو سيكون أشبه بالسباحة. فإن وجدت نفسك في وسط البحر حيث تطفو على سطح الماء، كيف ستحاول أن تتحرك؟ بالضبط، ستحرك يديك للأمام والخلف لتسبح لأقرب يابسة. هذا ما سيحاول الطائر فعله، فهو بالفعل يطفو عن سطح المحطة الفضائية، ولكي يتحكم في حركته خلال تلك الغرفة الشاسعة، سيحاول تحريك جناحيه لأسفل وأعلى ولكن بطريقة مختلفة عن تلك التي يحركهما في الطيران الطبيعي وأقرب لفعل السباحة، وبمرور الوقت، سيتمكن من التحرك بسلاسة أكثر والتكيف مع الظروف المحيطة كما هي عادة كل الكائنات الحية.
لماذا نحتاج لدراسة سلوك الكائنات الحية في الفضاء؟
في ظل التخطيط لإرسال رحلات مأهولة للفضاء، يحتاج العلماء لدراسة كيفية تأثير بيئة الفضاء القاسية على البشر والحيوانات من أجل توفير كل ما يساعدهم على التكيف وتطوير أساليب جديدة لحل المشكلات التي ستواجههم أثناء استكشافهم للفضاء الشاسع.
في النهاية، ما زالت تعطينا الكائنات الحية دروس قيمة على قدرتهم المدهشة على التكيف في مختلف البيئات. سبحان الخالق العظيم!