دعونا نتخيل بأن ناسا وصلت بالفعل لامتلاك كل ما تحتاجه لإرسال طاقم بشري إلى المريخ، وبأن خبراء وكالة الفضاء قد استطاعوا التوصل إلى طريقة يمكنهم من خلالها توفير السكن والغذاء والماء والهواء للبعثة بأكملها، سيكون هناك مشكلة واحدة مهمة جداً متبقية، وهي الأشخاص.
تبعاً لعالمة النفس في ناسا (لورين ليفيتون)، فإن مثل هذه البعثات إلى الفضاء السحيق، تكون عادة معزولة ومحاصرة وضمن شروط بيئية قاسية جداً، يسافر الطاقم خلالها لمسافة غير مسبوقة، ولمدة غير مسبوقة، ويختبر خلالها حبساً من نوع غير مسبوق أيضاً.
معظم الأشخاص لا يحبون حقاً أن يظلوا متواجدين في أماكن صغيرة لفترات طويلة من الزمن (يمكنك سؤال أي مسافر على متن طائرة يجلس في مقعد الدرجة الاقتصادية المتوسطة)، كما أنهم لا يحبون أن يكونوا بعيدين عن أحبائهم (إسأل الجنود عن ذلك)، أو وصل نهارهم بلياليهم (مثل أي شخص يعمل لمدة 24 ساعة)، أو زملاء العمل النزقين (إسأل أي شخص!).
يمكن لكل هذه الأشياء أن تحدث للأشخاص الذين سيتم اختيارهم للذهاب في الرحلة إلى المريخ.
تحاول ناسا حل المشاكل من خلال برنامجها للصحة السلوكية والأداء (PDF)، الذي يركز على ثلاثة مخاطر يمكن أن تتعرض لها البعثات طويلة الأمد، وهي:
أولاً: هو ما تدعوه )ليفيتون( “خطر طبي متعلق بالسلوك: وهي حالة تتمثل في ظهور سلوكيات معرفية سلبية، أو بعبارة أخرى، خطر إصابة أحد أفراد الفريق بالفزع والقيام بشيء مجنون.
ثانياً: تأدية عمل جماعي سيء، وهذا ينشأ عندما يقوم أفراد الطاقم باقتراف الأخطاء لأنهم لا يستطيعون الاتفاق بشكل جيد فيما بينهم.
ثالثاً: النوم، من بين جميع الأشياء التي على ناسا القلق منها فيما يخص إسال بعثة إلى المريخ، هي أن يأخذ كل فرد من الطاقم ما يكفيه من النوم، فهذا بالنسبة لهم يشكل أولوية كبيرة، فقلة النوم تزيد من مخاطر الوقوع في الأخطاء بسبب التعب، تماماً كما هو الحال على الأرض.
تستخدم ناسا حالياً “النظائر” – حالات مماثلة على الأرض – لدراسة الحلول، وأحد مشاريع النظائر التي تقوم ناسا بإجرائها حالياً هو مشروع (Human Exploration Research Analog)، وهو عبارة عن وضع الأشخاص في بيئة منعزلة لوحدهم لعدة أسابيع في كل مرة.
هناك أيضاً مشرع آخر يدعى (HI-SEAS)، وفيه يقوم العلماء بشكل تطوعي بالذهاب للعيش في موائل تم وضعها على قمة بركان ماونا لوا في هاواي لمدة ثمانية أشهر لمعرفة مدى التاثير الذي يمكن أن تتسببه العزلة لهم.
أشار (نيل سكيبيلهوت) وهو أحد لمشاركين في برنامج (HI-SEAS) بإن الأمر يصبح أصعب في فترة الأعياد، فأن تبقى معزولاً وغير قادر على الاتصال بأي أحد في هذه الفترة يمكن أن يكون أمراً محبطاً للغاية.
من بين الأمور الأخرى التي تعلمها (سكيبيلهوت) أنه يجب عليك أن تكون هادئاً، فالأشياء الصغيرة في الحياة التي لا تكون مزعجة لك عادة في الوضع الطبيعي، تبدأ بالتأثير على أعصابك عندما تكون برفقة نفس الأشخاص لمدة ثمانية أشهر.
يعتقد (سكيبيلهوت) أن مهمة المريخ، التي قد يقضي فيها الطاقم مدة أربعة سنوات حتى يصلوا إلى وجهتهم- ستكون صعبة جداً من ناحية العلاقات الإجتماعية، فما يفعله الشخص في هذه الحالة هو رمي كامل الحياة التي قام ببنائها في السابق، فإذا كان متزوجاً مثلاً، فإنه سيبقى مع مجموعة معينة من الأشخاص لمدة أربع سنوات، وهذا قد يؤثر على حياته الزوجية.
تبعاً لـ(سكيبيلهوت) فإن الحل قد يكون في إرسال الأزواج معاً إلى المريخ، ولكن بطبيعة الحال، إذا قمت بإرسال الأزواج إلى الفضاء معاً، فسيكون هناك بعض الممارسات الجنسية بالتأكيد.
بعد قضاء ثمانية أشهر من الإحتجاز مع ذات الأشخاص، هل يعتقد (سكيبيلهوت)بأن بعثة المريخ قابلة للتنفيذ؟ تبعاً له فإن الجواب: “بالطبع”، والسبب خلف تأكده هو أن تركيز الطاقم سيكون على استكشاف العالم الجديد، وسيكون كل تفكيرهم محصوراً في كيفية الخروج واستكشاف المريخ، ووضع قدمهم على سطحه.
المقالة الأصلية: