إن استخدام الخوف في الحملات الصحية العامة كان محلاً للجدل لعقود من الزمن، فوضع صور بشعة لأشخاص يموتون من سرطان الرئة على علب السجائر لمكافحة التدخين قد تجعل الأشخاص يفكرون مرتين قبل أن يذهبوا ليبتاعوا علبة سجائر، ولكن تبعاً للمعارضين لهذه الفكرة، فإن هذه الصور عميقة جداً، وذلك إلى جانب كونها مرفوضة أخلاقياً.
تيعاً للباحثين، على الرغم من أن المراجعات التي تضمنت أكثر من نصف قرن من الأبحاث، تشير إلى أن الحملات الصحية التي تستعمل الخوف كوسيلة لإبعاد الأشخاص عن مسببات المرض هي في الواقع فعالة في تغيير المواقف والسلوكيات، إلّا أن فعاليتها ليست هي الشيء الوحيد الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار استخدام المؤثرات الإعلانية القائم على الخوف.
نُشرت نتائج الدراسة في نشرة علم النفس لجمعية علم النفس الأمريكية، حيث أجرى الباحثون تحليل تلوي لـ127 دراسة شملت أكثر من 27,000 شخص، وقد وجد معدو الدراسة من خلالها حالات قليلة لم تؤدِ فيها الإعلانات المترافقة مع التخويف النتيجة المطلوبة منها، ولم يكن هناك أي ظروف محددة تؤدي لحصول أي نتائج عكسية.
بحسب (دولوريس الباراسين)، وهي كبيرة مؤلفي الدراسة وأستاذة في علم النفس والأعمال في جامعة إلينوي، فإن الأبحاث السابقة حول هذا الموضوع كانت متناقضة بشدة في بعض الأحيان، ولكن (الباراسين) وزملاؤها وجدوا بأن الإعلانات المضمنة بالخوف عادة ما تكون فعالة بشكل عام، وحتى أنها تكون أكثر فعالية عندما تكون موجهة نحو النساء لحثهن على القيام بأمر لمرة واحدة مثل الحصول على لقاح الانفلونزا.
تبعاً لـ(الباراسين)، من الأسهل أن يقوم الأشخاص باتباع تعليمات التوصيات إذا ما كانت تلك التوصيات تتضمن سلوكاً يقتصر أداؤه على مرة واحدة فقط، مثل الحصول على لقاح الانفلونزا، ولكن اتباع التعليمات عادة ما يكون صعباً إذا ما كان يوصي بممارسات تنفذ على المدى الطويل، وعلى اعتبار أن النساء، في العادة، يكن أكثر قلقاً، فإن هذا يجعلهن أكثر حساسية للتأثر بالإعلانات التي تتضمن التخويف، فالخوف يركز اهتمام الشخص على الرسالة والمشكلة، فضلاً عن البحث عن حلول، لذلك يمكنه تحفيز الأشخاص للاهتمام بحماية أنفسهم من الخطر.
بعض خبراء الصحة العامة يحذرون من أنه على الرغم من أننا نعلم بأن الخوف يمكن أن يكون فعالاً في هذا المجال، إلّا أن هذا لا يعني دائماً بأنه يجب أن يتم استخدامه، ففي مقال نشر في مجلة (Health Affairs)، بحث كل من (إيمي فيرتشايلد) و(رونالد باير) من كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا في استخدام مدينة نيويورك للإعلانات المضمنة بالخوف لمكافحة تعاطي التبغ والسمنة والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية.
بحسب (فيرتشايلد) وهي أستاذة علوم الطب الاجتماعي، كان الباحثون يحاولون فهم الظروف التي يكون فيها الخوف مقبولاً، والظروف التي يصبح فيها الخوف كريهاً للغاية، والنتيجة كانت على ما يبدو تتوقف بدرجة كبيرة على المعايير الاجتماعية.
أشارت (فيرتشايلد) إلى إحدى الحملات التي كان يتم إجراؤها في مدينة نيويورك والتي بحثت فيها مع (باير) في مقالهما، ففي عام 2010، قامت وزارة الصحة في المدينة بحملة تهدف إلى التذكير بأنه على الرغم من أن علاج فيروس الإيدز ممكن وقادر على إنقاذ الحياة، إلّا أن هذا المرض يمكن أن يؤدي أيضاً إلى حالات أخرى مثل فقدان العظام، والخرف أو سرطانات الأجهزة التناسلية.
بحسب (فيرتشايلد) فإن وزارة الصحة العامة نجحت من خلال الإعلانات التي نشرتها في نزع النظرة الطبيعية التي كان يتمتع بها فعل التدخين، ولكن الإعلانات التي تستهدف فيروس نقص المناعة البشرية، لا تخدم هدف نزع النظرة الطبيعية عن المصابين بهذا المرض، بل إنها تقوم بوصمهم بالعار الذي يعانون منه أصلاً نتيجة لإصابتهم بهذا المرض.
يقول (باير)، بأنه يجب على مسؤولي الصحة العامة أن يقوموا بحساب مزايا وعيوب استخدام الخوف كجزء من الحملات بشكل مسبق حتى يكونوا جاهزين للخوض في الجدلات إذا ما قرروا المضي قدماً في نشر الإعلانات التي تحمل طابع التخويف، ولكن اتخاذ القرار بنشر الإعلانات التي تحتوي على التخويق لا ينبغي أن يستند فقط على فعالية هذا الإعلان بتخفيض عدد الحالات المستخدفة، بل يجب أيضاً أن تؤخذ د “الخسائر النفسية للأشخاص” بعين الاعتبار.
يقترح (باير) مثالاً على ذلك، فهو يقول: “ماذا لو أظهر البحث أن جعل الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة وزيادة الوزن يشمئزون من أنفسهم هي طريقة مؤكدة لجعلهم يفقدون الوزن؟ فهل سنفعل ذلك؟ حتى لو كان ذلك فعالاً…فليس كل ما هو فعال يمكن أن يكون أمراً مقبولاً، واتخاذ مثل ذلك القرار يعتمد في الحقيقة على نوع من الحكمة، لذلك يجب على مسؤولي الصحة العامة أن يمتلكوا جرأة أكبر في الاعتراف بأن هناك بعض المعايير الأخلاقية التي يجب أخذها بعين الاعتبار”.
إذا كان مسؤولو الصحة العامة يعتقدون بأن رسالة معينة يمكن أن تسبب الذعر ولا يمكن السيطرة على التهديدات التي تطرحها، فلا جدوة لطرح تلك الرسالة أساساً، وفقاً لما تقوله (الباراسين)، لأننا نبحث عن الحالات التي يمكن فيها للتهديد أن يترافق مع توصيات معينة، وليس مجرد غرس الذعر بين السكان.
تبعاً لـ(الباراسين)، إذا ما تم اتخاذ القرار باستخدام الإعلانات القائمة على الخوف، فلا بد من وجود قوانين تمنعها من أن تكون متطرفة جداً، فمثل هذه الرسائل يمكن أن تثبط الجمهور، وتضع معاييراً مرتفعة جداً، وعلى الرغم من التحذيرات الصحية القائمة على الخوف لا تأتي عادة بنتائج عكسية، إلّا أنه عندما يحدث ذلك، فإنه قد يكون راجعاً إلى المستوى المفرط من الخوف المضمن في التحذير، فعندما يتم المبالغة في تصوير شدة الحقائق بغية محاولة بث الخوف في النفوس، فإنها ستصبح غير قابلة للتصديق وتلقي بظلال من الشك على الحملة بأكملها.
في النهاية تشير (الباراسين)، بأن الخوف يمكن أن يخفف من بعض الممارسات لبعض الوقت، ولكن غالباً ما تتطلب التغييرات طويلة الأمد التي تتضمن تغييرات في الأنماط السلوكية إلى تغيرات في المهارات، فالمدخنون مثلاً، لا يستمرون بالتدخين لأنهم يعتقدون بأنهم في مأمن من عواقبه، بل لأنهم لا يعرفون كيف يتوقفون عن فعل ذلك، لذلك وفي هذه الحالة، فإن نتائج الحملات الصحية التي تقوم على الخوف تكون في حدها الأدنى، بالمقارنة مع تقديم الدعم والموارد والمهارات والأساليب، أو إعلانات الإقلاع عن التدخين مثل لصقة النيكوتين.