نصادف دائماً في حياتنا اليومية أشخاصاً يعانون من الأرق وقلة النوم، ودائماً ما يشكو هؤلاء الأشخاص من إصابتهم بالتعب والإرهاق والتوتر خلال النهار جرّاء عدم قدرتهم على النوم أثناء الليل، ولكن النتائج التي توصلت إليها دراسة أجراها باحثون من جامعة شيكاغو كانت ملفتة للنظر حقاً، فهي تبحث في إمكانية أن يكون هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من الأرق يحصلون في الواقع على ساعات كافية من النوم.
في الحقيقة فإنه من الصعب التأكد من مقدار النوم الذي يحصل عليه الأشخاص، فالدراسات الاستطلاعية لا يمكن التعويل عليها لتحديد عدد ساعات النوم بدقة – فكيف يمكن لأي شخص أن يعرف بالضبط الوقت الذي بدأ يغفو فيه- كما أن وصل الأشخاص بأقطاب سلكية يخلق وضعاً شاذاً، وبالتالي فإن النتائج الناجمة عن استعمال هذه الأقطاب لن تكون شبيهة بالحياة الليلية العادية، لذلك قام العلماء باستخدام آلة (actigraph)، وهي عبارة عن آلة رصد حركية للمعصم تتميز بموثوقية كبيرة وأخطاء قليلة مقارنة بباقي الإجراءات القياسية، وذلك بحسب (ليندا ويت)، وهي عالمة اجتماع ومؤلفة مشاركة لهذه الدراسة.
من خلال جعل 727 شخصاً من كبار السن في جميع أنحاء الولايات المتحدة – بمتوسط عمري يقارب 72 عاماً- يرتدون الـ actigraphs)) لمدة ثلاثة أيام كاملة، تمكنت الدكتورة (وايت) وزملاؤها من معرفة وقت نوم المشاركين، ومن ثم استطاعوا مقارنة التقارير التي وصلتهم عن الأرق مع أنماط النوم الفعلية التي تمت قياسها عن طريق الـ actigraphs))، وجاءت النتائج لتبين أن هذه العينة العشوائية، لم تكن تعاني حقيقة من أي حرمان من النوم، فقد كان هؤلاء الأشخاص ينامون وسطياً من الساعة 10:27 مساءً، ويستيقظون في الساعة 6:22 صباحاً، وبعد الأخذ بعين الاعتبار فترات الأرق أثناء الليل، فقد تبين أنهم ينامون وسطياً لمدة سبع ساعات وربع في كل يوم.
لمعرفة السبب الحقيقي لمشاكل الأرق لدى الأشخاص الذين يعانون منه، قام الباحثون بطرح بعض الأسئلة على المشاركين، مثل عدد المرات التي يشعرون فيها بأنهم بحاجة لأن يقضوا وقتاً أطول في الفراش قبل أن يستيقظوا تماماً، أو مقدار الوقت الذي يستغرقونه قبل أن يغطوا في النوم، إلّا أن الإجابات التي حصلوا عليها كانت غير كافية لتكون المسبب وراء التعب والإرهاق النهاري الذي يعاني منه هؤلاء الأشخاص، كون الأشخاص الذين ادعوا أنهم يشعرون بالحاجة لقضاء وقت أطول في الفراش، لم يقضوا في الفراش وقتاً أطول بكثير من الوقت الذي يقضيه الأشخاص العاديين في الفراش بعد الاستيقاظ، كما أن الأشخاص الذين أفادوا أنهم يستغرقون وقتاً طويلاً لكي يناموا، كانوا أيضاً لا يستغرقون وقتاً أطول بكثير للنوم، مقارنة مع الأشخاص الذين لا يعانون من هذه المشكلة.
أما الأمر الأكثر غرابة فكان أن الأشخاص الذين يدعون بأنهم يستيقظون في الليل لأكثر من مرة، قضوا فعلاً وقتاً أطول من أقرانهم وهم مستيقظين في الليل، إلا أنهم كانوا يحصلون وسطياً على معدل نوم أعلى بـ 19 دقيقة من الأشخاص الذين لا يشتكون من هذه المشكلة، كما أن الأشخاص الذين أفادوا بأنهم يعانون من الاستيقاظ في أوقات مبكرة من النهار، فكانوا فعلاً يستيقظون بوقت مبكر، إلّا أنهم كانوا ينامون في وقت مبكر أيضاً، لذلك كان مجموع ساعات نومهم لا يختلف كثيراً عن الأشخاص الذين لا يعانون من مشكلة الاستيقاظ المبكر.
بحسب (ديان لودرديل)، المؤلفة المشاركة لهذه الدراسة الجديدة وعالمة الأوبئة التي قامت بدراسة النوم لمدة عشر سنوات، فإن هناك عدة احتمالات قد تفسر هذه الفوارق، منها أن يكون السبب هو نوعية النوم الذي يحصل عليه المشاركين، فعلى اعتبار أن الـ actigraphs)) يقيس طول النوم وليس جودته، فربما يكون كبار السن لم يحصلوا على كفايتهم من “السبات العميق” أو ما يعرف “بالنوم من نوع دلتا”، حيث يصبح هذا النوع أكثر ندرة مع التقدم في السن، أو قد يكون أولائك الذين يشتكون من الاستيقاظ في وقت مبكر في الصباح قد خضعوا لـ”مرحلة تحول إيقاعية” في النوم مما أدى لجعلم ينامون في وقت مبكر من اليوم للتعويض عن الاستيقاظ المبكر، وهذا الأمر قد يكون مزعجاً للشخص، أما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الاستيقاظ المتكرر أثناء النوم، فقد يكون شعورهم بالقلق هو ما يجعل الأمر أسوء بالنسبة لهم .
في النهاية فإن هذه النتائج و التفسيرات المحتملة لا يمكنها أن تقلل من مشاكل الأرق، فالأشخاص الذين يشتكون من الأرق لديهم مشكلات صحية أكثر من غيرهم – على الرغم من أن قلة النوم لا ترتبط بالضرورة مع ارتفاع معدلات الوفاة- ولكن ما قدمته هذه الدراسة هو فهم أكبر للنوم في مختلف الأعمار، وقد تؤدي إلى كشف العديد من الأشياء المفاجئة، فقد تنفي بعض الاعتقادات التي كانت ترتبط بالنوم أو تنسب بعضها الآخر إليه.