بقلم: أ.د. نصرالله محمد دراز
أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى
المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر
المعاصر لعلم الكيمياء لابد له أن يكون قد عاصر الكثير من الحيوات، فالكيمياء تعطى ولا تأخذ فهى النهر الذى لا ينضب أبدا. نهر الكيمياء ماؤه حلو المذاق، تشرب منه ولا تشبع بل وتطلب المزيد وتظل على هذه الحالة طوال حياتك. انها حالة من حالات العشق الحميد الطيب التى تجعلك أكثر خضوعا لبرائها فالله عز وجل هو من نسج نسيجها وخاط ثوبها ونظم بنيتها وأحسن صورتها حتى تجلت فيها عظمة قدرته تعالى. نهر الكيمياء ممتلئ بكل ما لذا وطاب، فيحتوى على كل ملذات الروح والجسد وكل ماطاب من كنوز العلم والمعرفة. شواطئ نهر الكيمياء مكتظة بالجموع الغفيرة من المعجبين والهواة، ويغوص بداخله غواصى الكيمياء من علماء وباحثين بحثا عن كنوز المعرفة؟ ويمطتى كل محب للحق والحقيقة قاربه مبحرا فى نهر تلاطمت امواجه بكل فروع الماضى البعيد والحاضر المضئ والمستقبل المترامى الأطراف. وفى الكنوز نغوص لتزداد معرفتنا بواقعنا وبما كان بل وبما سيكون بمشيئة الله تعالى.
علوم الكيمياء
علوم الكيمياء كثيرة ومتعددة، علوم صناعية وأخرى بيئية وطبية وفيزيائية والكترونية….ألخ. علوم مادية تراها بعينك وتلمسها بيدك وتستمتع بمنتجاتها التى لا تحصى ولاتعد. وكأن علوم الكيمياء هى علوم الحياة، ولما لا وهى تجوب الأرض طولا وعرضا وترتفع الى عنان السماء حتى أن هرمس الهرامسه أخذ الكثير من نهر الكيمياء ومن ثم كانت الكيمياء أحد روافد الحكمة، فرع لاتجف شرايينه منذ نشأه البشرية. لم تكتف الكيمياء ببث العلوم المادية فقط بل تعدت الحدود التقليدية وكشفت لنا بعض العلوم الفلسفية التى جعلت من محبيها فلاسفة لعصورهم. فمن فلسفة الكيمياء أن هناك فارق كبير بين الواقع والتطبيق.
هكذا علمتنى الكيمياء
عندما يقبع الكيميائى فى كهفه الصغير المسمى بحقل تجاربه أو ما نطلق عليه معمله، نجده قد انتقل من الواقع الى عالم الفكر، انتقال فكرى علمى مرتب الى عالم المعرفة كى يقطف بعض الثمار الطيبة الى مكان وزمان واقعه. هناك فى العالم المعرفى الرقراق يلتقط فكرة ليعود بها الى كهفه الصغير وينفذها عمليا موجها بها العالم بأسره الى هذه الفكرة وأثرها. هذا التطبيق على المستوى المعملى، انتاج صغير فى مكان صغير قد لايرقى الى انتاج كبير ومكان أكبر. ومن هنا كان الدرس الأول والأهم من دروس الكيمياء، أن هناك فارق كبير بين الواقع والتطبيق. ولكن اذا لامس التطبيق نصف الواقع كان التطبيق نصف الصناعى، وتكون الجائزة الكبرى للكيميائى بل للعالم كله عندما يطابق التطبيق الواقع. تطبيق طابق الواقع لن يؤدى الا الى طريق واحد مميز ومرغوب ألا وهو طريق ازدهار الصناعة. قد يجرى الباحث تجاربه ويحصل على نتائج عظيمة ومفيده على المستوى المعملى، ولكن بتطبيق هذه التجارب على مستوى أكبر سواء كان نصف صناعى أو حتى صناعى قد نصطدم بنتائج غير مرغوب فيها. لذا يلجأ العلماء فى تجاربهم للوصول الى منتج نهائى الى المرور بخطوات محددة تبدأ بالمعمل ثم التجارب نصف الصناعية ثم المرحلة الأخير وهى التجارب الصناعية التى تأتى لنا بالقول الفصل حول كفاءة التجارب. وخير مثال على هذا هو تجربى العالمين هابر – بوش للحصول على الأمونيا، ناهيك عن التجارب الطبية والدوائية. فانتاج أى عقار لأى نوع من الأمراض يكون من خلال الانتاج المعملى ثم التجربة على حيوانات التجارب ثم على عدد محدود من البشر المتبرعين ثم اعتماد العقار ان ثبتت فاعليته. ومن هنا لايمكن ولا يجب على أى كيميائى أو عالم أن يطلق مصطلح علمى الا فى مكانه الصحيح، ماذا والا كان لايستحق لقبه وكان الفشل والضياع بل وزواله كان الحقيقة المؤكده. هكذا علمتنى الكيمياء.