التصحر
التصحر غالبا ما يرتبط بالمكان، فتصحر المكان هو تحول هذا المكان الى صحراء، والصحراء هى أرض فضاء واسعة فقيرة الماء، أى أن التصحر هو ما ينطبق على أرض قاحلة لازرع فيها ولا ماء. فالتصحر فى ماهيته هو انعدام قدرة الإنتاج البيولوجي للأرض نتيجة بتدهور خصوبتها المنتجة بالمعدل الذي يكسبها ظروف تشبه الأحوال المناخية الصحراوية. مؤدى هذا أن التصحر ما هو الا قحولة للأرض، أو أنه ضرر قد أصاب الأرض نتيجة للجفاق أو القحط القائم على انهيار منظومة الماء الذى هو أساس حياة الكائن الحى مع توافر كامل لعلاقة السببية فيما بين ضرر قد بات واضحا فى فقدان الحياة النباتية والتنوع الحيوي المؤدى الى تدهور الأرض، وبين نقص أو انعدام المياة ومن ثم ظهور نقصا شديدا أو ثبوت انعداما فى دعم الحياة الحيوانية والبشرية. وان كان التصحر وبحكم الطبيعة متواجدا فى المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، فانه لن يغيب أبدا فى المناطق الفكرية التى لا تقل أهمية عن المناطق المكانية الداعمة لبقاء الحياة البشرية، ومن ثم كان التصحر اما يكون متلازمة قحولة الفكر أو العقل القائمة على محور العلم أو متلازمتة قحولة الأرض القائمة على محور الماء.
التصحر الفكرى
التصحر الفكرى هو غياب الوعى المعرفى اما لجهل قائم أو لغباء مستوطن فى العقل يجعله غير قادر على أى انتاج أو أى ابداع ومن ثم عدم تقديم أشياء متطورة وجديدة أو بمعنى آخر اغتيال نبتة الفكر الأخضر. بالتصحر الفكرى يدور المتصحر حول نفسه ولا يرى غير نفسه، وكأنه ضعيف البصر وفاقد للبصيرة. تزداد خطورة التصحر الفكرى عندما ينزل التصحر على عقول من يطلق عليهم البعض بالنخبة الغير مثقفة التى يغيب عنها الوعى المعرفى لتوافر عنصر الغباء حيث أن كل متعلم قد محيت أميته الكتابية والقرائية حتى وان كان حاصلا على أعلى الدرجات العلمية ليس بالضرورة أن يكون مثقفا والعكس صحيح. فكم هناك من حملة للعديد من المؤهلات الجامعية، الذين يفتقدون القدرة على الإنتاج والإبداع والتجديد والتطوير. ويزداد الأمر خطورة عندما يحل التصحر الفكرى بأرض النخبة المثقفة التى يغيب عنها الوعى المعرفى لجهل الجهل. فان غاب الوعى وهدم صرح المعرفة نتيجة لتعاظم الأمية بأنواعها الثلاث ( الأمية الوظيفية والأمية الثقافية والأمية المعلوماتية)، كان التصحر الفكرى الشديد الخطورة متغلل فى جسد الأمة التى سوف تنهار بسرعة البرق، لأن الهدم الحقيقى للأمم لن يكون الا من خلال هذا النوع من التصحر الفكرى.
هتلرية التصحر الفكرى
قد يبدو هذا المصطلح ثقيلا على النفس، ولكنها الحقيقة الصعبة التى تتضح فى دكتاتورية الجهل أو الغباء المؤدى الى أخطر أنواع التصحر الفكرى. فهذه الهتلرية قد تقوم على الأنانية المفرطة وأنه ليس هناك اكثر مما أرى، وقد تقوم على مستنقع من الحقد والحسد والغيرة الهدامة. فان كانت الهتلرية قائمة على الأنانية، فلن تجد أمامك غير التصحر الذى سوف يزداد تصحرا لتعاظم وتفاقم المعلومة الذاتية وعدم تنميتها أو تطويرها باستجلاب المزيد من المعلومات التى قد تصوبها أو تزيد من قوتها. اما ان كان عماد التصحر الفكرى قائم على الحقد والحسد، فانك لن تجد أمامك غير ضعاف النفوس وأصحاب الهوى ومدعى الشرف والفضيلة التى من المفترض أن تكون أفعالا لا أقوال.
آليات التصحر الفكرى وآثارها
ان خلاصة التصحر الفكرى تتمثل فى ارتباك كل المفاهيم التى يتم تناولها من غير معرفة دقيقة لمضامينها، ومستوى أبعادها اعتمادا على أن البنية التحتية للوعى دائما ما تكون خاوية الوفاض عاجزة عن بلوغ مرمى الوعى. كما أن آليات التصحر الفكرى تقوم على صناعة التفريغ والشحن، تفريغ عقول المجتمع من الحكمة وشحنها فى الوقت ذاته بزخرف خرافات الرأى وهواجس الفكر القائم على الغرور بالوعى والذى يؤدى بدوره الى العمى عن طريق الصواب ورؤية المصلحة العامة. ففى كهوف التصحر الفكرى الشديدة الظلمة يتناسل كل من الجهل والغباء وتشحن الصدور بالغل والحقد بل وقد تحدث عملية تهجين لا يعلمها الا الله تؤدى الى وجود نوع خطير من مرضى التصحر الفكرى الذين يظنون أنهم هم فقط من يعرف الوعى ويعى المعرفة ويقرأ لنا سطور المستقبل.
وعندما تكتز العقول بشحنها بخرافات الرأى فان مريض التصحر الفكرى يصاب بالرغبة الشديدة فى التشفى فى ضحيته من خلال اللجوء الى معاقبتها آلاف المرات عن نفس المحل والسبب، وان ماتت ضحيته فى يده فانه لا يحترم حرمة الموت بل تغلب عليه النزعة التتارية من خلال التمثيل بحثة ضحيته. وان كان من علاج لهذا التصحر الفكرى فلن يكون الا بالتخلى عن هتلريت التصحر الفكرى والسعى الحثيث لبناء الوعى الصحيح والمعرفة المتطورة ومن ثم تشكيل الوعى المعرفى الحقيقى والتخلص من مرضى هذا النوع من التصحر.