أقيمت في العاصمة القطرية الدوحة ندوة تم من خلالها تسليط الضوء على أبرز الجوانب الأخلاقية المرتبطة بوباء كورونا العالمي، كخصوصية الأفراد، وما إذا كان ينبغي على المجتمعات إعطاء الأولوية في العلاج للأشخاص الأكثر ضعفًا، وفرض القيود على التجمعات الدينية، وذلك ضمن ندوة إلكترونية تفاعلية استضافتها مؤسسة قطر بعنوان: “فيروس كورونا: القضايا الطبية والأخلاقيات من منظور إسلامي”.
نظّم هذه الندوة مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية “ويش”، إحدى مبادرات مؤسسة قطر، بالتعاون مع مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، وشهدت مشاركة الخبراء من جهات الحكومة والطب والأخلاق الإسلامية بتبادل آرائهم ووجهات نظرهم حول الجوانب الأخلاقية المرتبطة بفيروس كورونا كوفيد-19.
تعكس هذه الندوة الإلكترونية، التي تم تصويرها في استدوديوهات جامعة نورثوسترن في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، التزام مؤسسة قطر بتعزيز الحوار وإقامة المناقشات البنّاءة من خلال المنصات الرقمية، حرصًا على حماية الصحة العامة في ظل الظروف المحيطة بفيروس كورونا (كوفيد-19).
كان من بين المتحدثين المشاركين في الجلسة النقاشية، الدكتور معتز الخطيب، أستاذ مساعد في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، والذي أوضح أن أغلب القصص الإخبارية حول الوباء تركز في المقام الأول على الجوانب الطبية، ونادرًا ما نرى طرح الجوانب الأخلاقية المرتبطة بهذا الوباء، والتي لا تقل أهمية عن الجانب الطبي. وقال: “تكمن أهمية الجانب الأخلاقي في أنه يساعدنا على تحديد الأولويات عند التعامل مع هذا الوباء، وكيف يُمكننا أن نقنع الناس بكيفية التصرف، وموازنة قيّمنا”.
خلال النقاش، طرح الدكتور محمد غالي، أستاذ الدراسات الإسلامية وأخلاقيات الطب الحيوي في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، سؤالاً حول خصوصية الأفراد في حالات الوباء، لاسيما في حالات جمع المعلومات والبيانات المرتبطة بالمرض من الأفراد في حالات العزل والحجر الطبي، وفرض القيود على حركة الأفراد، ومنع رحلات السفر، وإغلاق الحدود الدولية. وقال: “المعضلة الأخلاقية الرئيسية التي نواجهها في مجال الأخلاق الطبية هي كيفية تحقيق التوازن بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة، وتُصبح هذه الموزانة أكثر صعوبة في حالة الوباء. في أغلب الحالات، قد يتعين علينا تقويض الحقوق الفردية”.
ومن جهته، قال الشيخ الدكتور محمد آل ثاني، مدير إدارة الصحة العامة بوزارة الصحة العامة: “هدفنا هو ليس خرق الخصوصية، فمعدلات انتشار فيروس كورونا تتصاعد بسرعة، وعلينا التصرف بشكل عاجل وعلى النحو الذي يتطلبه الموقف، وهذا واجبنا الأخلاقي لإنقاذ الناس”.
وأضاف: “بدورنا كقادة، يجب علينا أن نقدّر قيمة الحياة، وأن نمنح كل فرد الحق في أن يعيش حياة آمنة، فمسؤوليتنا هي حماية حقوق الأفراد والحفاظ على صحتهم وسلامتهم”.
ومن الأسئلة الأخرى التي تم التطرق إليها في النقاش هي ما إذا كان يُمكن للدول التي لا تمتلك الموارد الكافية إعطاء الأولوية للفئة الأكثر ضعفًا من أفرادها، مقابل الفئة التي تُعتبر أقل تأثرًا بمخاطر الوباء.
في إجابة على هذا السؤال، قال الدكتور ليث أبو رداد، أستاذ الصحة العامة المشارك وكبير الباحثين في مجموعة دراسة الأمراض المُعدية ومدير مختبر بحوث الإحصاءات الحيوية والأمراض الوبائية والرياضيات الحيوية في وايل كورنيل للطب – قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر: “إحدى الطرق التي نعتمد عليها في الإجابة على مثل هذه الأسئلة هي من خلال ما يُعرف بـ”المقاييس الصحية”، حيث يتم حساب عدد سنوات الحياة التي ستضاف بين السكان مقابل كل تدخل أو إجراء تتخذه الحكومة، وبهذه الطريقة، نحاول أن نتفادى السؤال الأخلاقي من المسألة بالاعتماد على الأرقام، واتخاذ القرارات وفقًا لعمليات حسابية بسيطة”.
تطرّق النقاش أيضًا إلى مناقشة مسألة فرض القيود على التجمعات الدينية الجماعية مثل صلاة الجمعة، والتي تم تطبيقها بالفعل في بعض الدول الإسلامية، وشملت الإغلاق المؤقت للمساجد. وتعليقًا على ذلك، قال الدكتور معتز الخطيب: “هذا إجراء صحيح وفي محله، ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهناك تبريرات لهذا الإجراء، وهي خفض اتصال الناس ببعضهم البعض لتقليل مخاطر تفشي العدوى، وبهذا نحن لا نلغي فرض الصلاة بحد ذاته، فالصلاة ليست مقصورة على المساجد، وكل فرد مطالب بأداء هذا الفرض مع مراعاة حماية المصلحة العامة في الوقت ذاته”.
وأضاف الدكتور محمد غالي قائلاً: “من وجهة نظر الأخلاق الطبية، هناك أيضًا فروق دقيقة مختلفة على المستوى الفردي، فهي مسؤوليتنا الأخلاقية كأفراد، لأن الخطر الناجم عن العدوى يضع على عاتقنا حماية الآخرين”.
وفي حديثها عن قرار عقد ندوة إلكترونية لمناقشة هذه القضية، قالت السيدة سلطانة أفضل، الرئيس التنفيذي لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية “ويش”: “كنا ننوي عقد هذه الندوة في مدرج وأمام جمهور، ولكن نظرًا لطبيعة الوباء العالمي (كوفيد-19)، قررنا تعديل خططنا، واتباع طريقة تضمن تجنب التجمعات العامة حفاظًا على صحة وسلامة الأفراد”.