تواجه ناسا أحد أكبر التحديات التي تسعى جاهدة لحلها، وهي إيجاد طريقة لنقل ونشر الآلات الضخمة في الفضاء، بحيث يجب أن تكون مضغوطة وخفيفة بأكبر قدر ممكن، فمع الحاجة المستمرة للطاقة، أصبح هناك حاجة ملحة لإيجاد طريقة تمكن ناسا من إرسال ألواح توليد طاقة شمسية إلى الفضاء من دون أن تأخذ مساحةً ووزناً في التخزين.
(براين تريس(، وهو مهندس ميكانيكي يعمل في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، قام بتقديم حل قد يكون نافعاً، حيث يعتمد هذا الحل على تحويل إحدى التقنيات التي كان قد تعلمها قبل عشرين سنة، عندما كان طالباً في المدرسة الثانوية في اليابان، إلى وسيلة واعدة لتحقيق الهدف الذي تسعى إليه ناسا، وهذه التقنية هي فن طي الورق الذي يدعى أيضاً (اوريغامي).
بالتعاون مع الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية في جامعة بريغهام يونغ، وخبير الاوريغامي (روبرت لانج)، وهو مهندس في مختبر الدفع النفاث أيضاً، استطاع الفريق أن يخرج بنموذج أولي لمصفوفة شمسية تبلغ سماكتها 1 سم، قادرة على التوسع من مساحة قطرها 8.9 قدماً إلى مساحة قطرها 82 قدماً، أما المواد القابلة للطي المستخدمة فيدعوها (تريس( وزملائه باسم “hannaflex” حيث تأخذ هذه الألواح الشمسية شكل الزهرة عندما تكون أوراقها متراصة إلى بعضها، وعند الفتح “تزهر” لتصبح سطحاً مستوياً بشكل دائرة، وحالياً تتطلب هذه التقنية وجود قوة دفع مركزية تقوم بمساعدة الصفائح على الانفتاح بعيداً عن بعضها، وإذا ما نجح المهندسون في بناء هذا الهيكل سيكون بالإمكان وضعه على مركبة فضائية، ونقله إلى الفضاء، للاستفادة من قدرة هذه الألواح على توليد الطاقة.
يبدو من الواضح أن (تريس( تخطى العديد من الخطوات في تصميمه لهذا لنموذج الأولي، فهو لم يقم بمعالجة جميع المشاكل التي قد تنجم عن تصميم الشكل النهائي، وكان الهدف من تصميم النموذج الأولي هو فقط توضيح إمكانات الآلة، ولا يزال أمام ناسا العديد من السنوات حتى تتمكن من بناء نموذج قابل للعمل من الآلة وبالحجم الكامل، ومازال أمامها أيضاً العديد من القضايا التي يجب عليها حلها، مثل كيفية تحفيز حركة المادة، فالفريق يعمل حالياً على تصميم محركات قادرة على سحب المواد وتشكيل المادة، حيث سيتم تحفيز المحركات من خلال تمرير التيار الكهربائي بدخلها، ومن جهة أخرى ما زال العلماء لا يعلمون نوعية المواد التي سيتم استخدامها في هذه الآلة، والتي يمكنها تحمل هذا النوع من الإجهاد المتكرر، علماً أن البحث عن معدن يمكنه التكيف مع مثل هذه التغييرات المتكررة هو أمر صعب جداً، فضلاً عن أن الفريق ما يزال بحاجة لإيجاد طريقة لطي المعادن والبلاستيك بشكل صحيح، ومعرفة كم مرة يمكن لهذه المواد أن يتم طيها وفتحها قبل أن تصبح غير قابلة للعمل.
ولكن بغض النظر عن التحديات المطروحة حول هذه الفكرة، فالمهم أن ناسا بدأت أخيراً تأخذ مبدأ الأوريغامي على محمل الجد، حيث قام المختبر في ناسا مؤخراً بعقد ورشة عمل لمناقشة المجلدات البحثية الأكثر أهمية، والتي من شأنها أن تطرح أفكاراً جديدة في مجالات ناسا التكنولوجية، ومن الأفكار التي تم طرحها في ورشة العمل، استخدام تقنية الاوريغامي لنشر شرائح المرايا والأشرعة الشمسية، وإن اعتماد ناسا لهذه التقنية الرائعة يمكن أن تفتح الباب لنشر أشياء ذات أحجام أكبر بكثير من حجم الألواح الشمسية.
الجدير بالذكر أنه عندما سيتم نقل هذه التقنية إلى الفضاء فإنه يجب على المهندسين تصنيع نسخة أكبر حجماً وأخف وزناً ومضغوطة أكثر من هذا النموذج، كون من المفترض أن تحصل الآلة على كم كبير من الطاقة الشمسية، لتقديم قوة دفع كبيرة للصاروخ، وإرسال إشارات أكثر وضوحاً لمسافات أبعد.
أخيراً، فإن كل هذه الإمكانيات يمكن أن تقدمها لنا تقنية الأوريغامي، والتي يعتبرها الكثير من الأشخاص على أنها لعبة أطفال، وحالياً جاء الوقت ليعلم الجميع أن هناك الكثير من الخبرات التي يمكن اكتسابها من فهم تقنية الطي الفني، التي ظلت مهمشة بشكل كبير من قبل الرياضيات والهندسة.