الكمبيوتر والماء لا يجتمعان، كم مرة أفسد سقوط كوب من الماء حاسوبك؟ لكن بالنسبة لعلماء جامعة ستانفورد، لقد اجتمعا بالفعل، في أول نموذج معالج كمبيوتر يعمل بقطرات الماء في العالم، لتكون هذه هي أول مرة نرى فيها تحول الحاسوب من الرقمية غير الملموسة إلى العالم الملموس.
الفريق كان في البداية مكوناً من شخص واحد هو مانو باراكاش الأستاذ المساعد في الهندسة الحيوية الذي كان ما يزال طالباً لديه شغف خاص بالتلاعب في ديناميكيات السوائل، ودمجه مع أحد أساسيات الكمبيوتر، الساعة الكمبيوترية.
فمنذ عشر سنين والفكرة تلح على باراكاش: ماذا لو استطاع استخدام القطرات، واستطاع استغلال الحركة الضئيلة لها لمعالجة المعلومات والمادة الملموسة معاً؟ عندها قرر أن يبني مجالاً مغناطيسياً دائرياً يستطيع أن يعمل كساعة كمبيوترية لمزامنة كل القطرات، وكانت الفكرة واعدة وانضم إليها حينذاك جيورجيوس كاتسيكيس.
الساعة الكمبيوترية هي المسئولة عن كل جهاز حديث هذه الأيام، فهي موجودة في الهواتف الذكية ومسجلات الفيديو الرقمية والطائرات والإنترنت، وبدون هذه الساعة فإن كل هذه الأشياء لن تعمل، فكل برنامج كمبيوتر يحتاج إلى تزامن عدة عمليات في وقت واحد، وهذه الساعة هي ما تجعلها جميعاً تبدأ في وقت واحد وتنتهي في وقت واحد، فيعمل البرنامج بشكل صحيح.
يشرح باراكاش هذا الأمر بأنه أشبه بجنود يتحركون في صف لتقديم استعراض عسكري، إذا تأخرت حركة جندي واحد فإن إيقاع الصف كله يفسد، وهذا هو معنى أهمية الساعة التي تزامن العمليات.
الحل الذي أوجده باراكاش كبديل عن الساعة الكمبيوترية كان حلاً إبداعياً، فقد قرر استخدام المجال المغناطيسي الدائري، ليسيطر على قطرات الماء ويحافظ على إيقاعها معاً، ويأمل أن تصبح هذه الساعة المغناطيسية أكبر في المستقبل لكي تسيطر على قطرات أكثر.
قام كاتسيكيس وباراكاش ببناء مصفوفات من الحديد الصغير على شرائح من الزجاج ليشبه الأمر في النهاية متاهة “باك مان” التي تلعبها على الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، ثم وضعوا شريحة زجاجية فارغة في الأعلى ووضعوا بين الشريحتين بعض الزيت، ليشبه ذلك شكل السندوتش، ثم قاموا بصنع قطرات ماء ممغنطة عبر حقنها بمواد نانوية ممغنطة، وقاموا بحقن قطرات الماء داخل المتاهة.
بعد ذلك شغلوا المجال المغناطيسي، كل مرة كان هذا المجال ينقلب، فإنه يسحب معه القطرات الممغنطة إلى اتجاه مختلف مع بعضها، تحت مراقبة كاميرا تسجل الإيقاع بين القطرات، ليجدوا في النهاية أن الأمر سار دون أخطاء.
وقال باراكاش أنهم برهنوا بهذا العمل على قدرة مزامنة قطرات الماء، وأن طبيعته سوف تسمح له بإجراء أي عملية تعجز عنها أجهزة الكمبيوتر التقليدية وإن كانت بسرعة أبطأ، فالفريق يأمل أن تتطور كثيراً في المستقبل.
وقال باراكاش أن اختراع أول معالج يعمل بقطرات الماء في العالم، يفتح الباب لمزيد من التطورات القائمة عليه، فهم يرحبون بانضمام أي أحد، فيمكن لأي كان أن يصمم دوائر جديدة قائمة على وحدات البناء التي استخدموها أو وحدات بناء جديدة.
الهدف من هذا الاختراع ليس منافسة الأجهزة الرقمية إطلاقاً، أو في تشغيل معالجات الكلمات، وإنما كان هدفه هو إنشاء نوع جديد تماماً من أجهزة الكمبيوتر يستطيع أن يتحكم بالمادة الملموسة ويعمل بها، تخيل حواسيباً لا تعالج فيها المعلومات فقط وإنما خوارزميات المادة الملموسة أيضاً، لقد جعلوا هذا ممكناً عن طريق التحكم في قطرات الماء باستخدام حوسبة السوائل، والذي سوف ينعكس بشكل ثوري على تطبيقات البيولوجيا ودراسة الكيمياء وربما تطبيقات جديدة تماماً.