قد تستوقفك أمورا أو أشياء كثيره فى هذه الحياة المتلاطمة الأمواج، اما أن تصيبك بالدهشة والحيرة أو أن تتناولها بالفحص والدرس. فان كانت الدهشة والحيرة فانك أما أن تكون قليل العلم أو أن الأمر جد خطير وأنه قد خرج عن ما هو مألوف ومعتاد بالنسبة لك وهنا يصبح الأمرا عجيبا وبقدر هذا التعجب يقف الانسان عاجزا أمام قدرة الله عز وجل. وفى عجائب الدهر يقول ابن الرومى ” عجائبُ هذا الدهر عندي كثيرة ٌ”، وأمام عالم النبات يستحضرنى قول الشاعر:حيدر بن سليمان الحلي ” فما أنت إلا بحرُ علمِ تتابعتْ……… عجائبه والبحر جمُّ العجائب”. ومن بحر عجائب عالم النبات نقتنص شجرة الحياة وشجرة العليقة لنستبين الروعَةٌ التى تأخذُ الإنسانَ عند استعظامه للشيء وعند إِنكارُه ما يَرِدُ عليه لقِلَّةِ اعْتِـيادِه.
شجرة العليقة
فى الوادى المقدس طوى كانت المعجزة الشاملة، معجزة تشعبت جذورها وتعانقت فروعها وخيم ظلها على المكان فازداد الجمال جمالا وغمرت القدسية كل شئ. هناك فى الوادى البعيد المترامى الأطراف فى سانت كاترين المصرية، كانت عجيبة العجائب الكائنة فى الشجرة المباركة، شجرة موسى عليه السلام أو ما يسمى بشجرة العليقة. كانت قدسية الوادى فى وجود نبى الله موسى ، وازدادت هذه القدسية قدسية على قدسيتها عند جبل التجلى والشجرة المباركة عندما كان سيدنا موسى يبحث عن الحطب للتدفئة ، فكانت المعجزة فى توهج هذه الشجرة بنور الله وتجلى الله سبحانه وتعالى وكلامه مع سيدنا موسى ” فلما أتاها نودي يا موسى، إِنّي أَنا رَبُّكَ فَاخلَع نَعلَيكَ إِنَّكَ بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى “(طه: 11-12). معجزات وعجائب متعدده تشبع بها المكان المقدس والتى منها عجيبة الشجرة الملتهبه آنذاك والتى ظنها سيدنا موسى نار فى حين كانت هى النور الربانى العظيم. العجب كل العجب نجده عندما رأى سيدنا موسى فرًعا من الشجرة يشتعل والنار تزداد بينما الفرع يزداد خضرة، ولما لا؟ فالنار ليست بنار ولكنها كانت نور على نور، نور جعل النار لا تحرق الخضرة، بل وجعل رطوبة الخضرة ومائيتها لا تُطفئ النار فى ظاهرة غير معتاده جاءت لنا بعجيبة العجائب.
خصوصية شجرة العليقة
ازداد التعجب تعجبا وخرج عن حيز التفكير البشرى، وعجزت الأليات والتقنيات بل والنظريات عن تفسير واقع الشجرة العليقة الفريدة فى نوعها من حيث الطبيعة والمكان والزمان. فالمكان له خصوصيته البيئية وعلى الرغم من هذا كانت الخصوصية أكثر خصوصية لما لانعدام وجود هذه الشجرة فى أى مكان أخر داخل الحيز البيئى من سيناء المصرية. لقد تجلت خصوصية الشجرة المباركة فى أنه ليس لها ثمرة وأنها خضراء طوال العام. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل توثقت الخصوصية فى استحالة إنبات هذه الشجرة فى أى مكان فى العالم. وقد تزداد دهشتك وتزداد حيرتك حيرة عندما تعلم باستحالة استنساخ أو تكاثر هذه الشجرة فى الحيز الملاصق لها، وهذا ما أكدته كل محاولات العلماء فى هذا الصدد. ولكنى لا أستغرب استحالة استنساخ هذه الشجرة أو عدم ظهورها فى أى مكان آخر غير هذه البقعة المباركة، لما فى انفراد هذه المنطقة من تجلى الله سبحانه وتعالى فيها مرتين، تجلى فأنار عند شجرة العليقة المقدسة ذات السر الخاص، وتجلى فهدم عند جبل التجلى أو جبل موسى. ولكننا نجد أيضا الاعجاب الشديد الذى انتاب الكاميرا الجيولوجية عند التقاطها صورا لهذه الشجرة على بعض الاحجار الصخرية التى ان كسرتها الى احجار صغيره تجد صورة هذه الشجرة المباركة، وكأن هذه الصور قد اعتلت سطح هذه الصخور وفى الوقت نفسه قد تخللت باطنها فى عجيبة أخرى من عجائب علم الجيولوجيا. علاوة على ذلك نجد أن شجرة العليقة وجبل موسى يمثلان قيمة عظيمة فى الأديان الثلاث ( اليهودية –المسيحية- الإسلام)، حيث وردت قصة نبى الله موسى وبنى إسرائيل فى عدة سور بالقرآن الكريم ولقد كرم الله سبحانه وتعالى جبل الطور وجعله فى منزلة مكة والقدس “والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين”( البروج: 1). وان سألتنى عن شجرة العليقة فلن أجد من اجابة غير قول أننا أمام مجموعة من العجائب التى غزت عالم النبات وأعماق علم الجيولوجيا وفلسفة علم الأديان.
شجرة الحياة عجيبة أخرى من عجائب عالم النبات مع الفارق الشديد بينها وبين شجرة العليقة، انها شجرة الحياة (شجرة العوسج) المنتشرة فى الصحراء القاحلة من صحراء السعودية والبحرين. ولكن ان كانت منتشرة فأين خصوصيتها؟ بل أين العجب فى هذا؟. وحتى لا تطول الدهشة وتزداد أمطار الحيرة، فانى سوف آخذك الى شجرة الحياة الكائنة فى بيداء البحرين منذ أكثر من 400سنة دون وجود أى مظهر من مظاهر الحياة يحيط بها. حيث تقف هذه الشجراء وحيدة صامدة صمود الجبال فى صحراء الصخير جنوب العاصمة المنامنة فى بقايا قلعة عمرها 500 سنة، داخل بيئة انعدمت فيها كل أوجه الحياة نظرا لانعدام وجود المياة وارتفاع درجة الحرارة التى تصل الى 50 درجة مئوية صيفا. ولكن الكثير يرجع سر الحياة فى هذه الشجرة الى قدرة امتداد جذورها فى الاعماق بحثا عن المياة.