بقلم: أ. د. نصرالله محمد دراز
أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى
[[ المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر ]]
كانت ولازالت منظومة البحث العلمي هى حجر الزاوية فى تطور المجتمعات بل وتصنيفها تصنيفا يرقى بها الى درجة التقدم أو ما دون ذلك. المنظومة البحثية العلمية دائما ما تقوم على العلم وبالعلم وفى العلم. فأساس البناء البحثى هو العلم وهيلكة لن يخرج عن العلم ولبناته هى العلم ومخرجاته قد تكون اقتصادا من المفترض أن يكون قويا ، فى ترجمة صريحة لاقتصاد المعرفة. واقتصاد المعرفة هو هدف الدول التى تريد التقدم فى كل الاتجاهات المحلى منها والعالمى. ولكن هل هناك منظومات بحثية قامت على غير العلم؟ بالطبع لا. ولكن لماذا هناك منظومات للبحث العلمي تكاد تكون فاشلة على الرغم من أن أصل المنظومة هو العلم؟ ان فشلت المنظومة فى مكان ما، فلن يرجع هذا الا لكون هذه المنظومة منظومة هامشية المكانة، وجودها والعدم سواء.
العلم ثروة من لا ثروة له
فالعلم ثروة الثروات، ولما لا؟ والعلم هو أصل كل تقدم وتطور فى الكون. فالثروات متعددة وكثيرة، ولكن وبكل أسف قد طغى على الفكر الانسانى مستنقع جاهلى ممثلا فى أن الثروة لن تكون الا فى الموارد التى تترجم الى مال أو عملة للتداول. ونجد هذه الترجمة المالية بوضوح فى نظام مقايضة الأشياء كما فى القرون الأولى، ترجمة تطورت فيما بعد ومع التطور الفكرى ومن ثم العلمي الى الأوراق المالية القائمة على مقدار ما تمتلك الدول أو المجتمعات من المعدن النفيس (الذهب). نظرة عقيمة قتلت كل شئ قابل للنمو، بل جعلت العلم يلملم أوراقه ويعود من حيث أتى فى صمت رهيب ودون أن يترك لنا أى علامة عن مدى تخلفنا عن الركب الحضارى المتقدم. الثروات متعددة دون أن ندرى أنها تعددية لنعم الله عز وجل والتى قد يعتبرها البعض ابتلاءات وكوارث طبيعية وذلك لغياب العلم الذى هو أكسير الحياة. ولكن المجتمعات النامية التى لاتدرك قيمة العلم قد تفتقد هذا الأكسير الربانى. مجتمعات وهبها الله الكثير من النعم القائمة على القوة البشرية الممثلة فى العدد البشرى الضخم والموارد الطبيعية الغير مستغلة علاوة على القوة الروحية المتأججة فى النفس البشرية. مناحى ثلاث للثروات مادية (العدد البشرى والموارد الطبيعية) وعقلية (عقول شباب طموح) وأخرى روحية (نفوس ممتلئة ومؤمنة بقوة البناء وحب الحياة)، محاور ان تشبعت بالعلم وتفانت فى اتقانه ووصلت الى مستوى الحرفية، كان التطور والتقدم والوصول الى أعلى درجات التقدم الأخلاقى والتكنولوجى والروحى ، ومن ثم كان وجود الانسان المتطور- المعتدل الأفكار- المتزن السلوك – المنتج – ذو الوعى الكامل لبناء مجتمعة.
بناء وترميم منظومة البحث العلمي
ان كان البناء فلن يكون الا من بداية التكوين، لأن البناء على منظومة بها قصور لن يكون الا لونا من ألوان العبث الفلسفى العقيم. فان كنت مشيدا لهرم منظومة البحث العلمي والبلوغ بصرحها الى عنان السماء فعليك بأركان الهرم الثلاث بناء جيل من النشأ وبث حب العلم فى وجدانه وتنمية وعيه منذ نعومة أظافرة اعتمادا على أنه لاتقدم بدون العلم وتقدير من هم على علم لاعطائه المثل والقدوة. أم الركن الثانى والذى لايقل أهمية عن الركن الأول فهو كائن فى الموارد الطبيعية واستغلالها وبحكمة شديدة وبأساليب علمية نانوتكنولوجية محددة فى غير اسراف أو تقتير. وفى الوعى الحقيقى والادراك الواعى لكل المعطيات البشرية أو الطبيعية ينمو الركن الثالث والذى هو الروحانيات السلمية المعتدلة التى تأتى بنفوس وارادات قوية طموحة تؤمن بالاقتصاد المعرفى. أركان ثلاث تشكل قاعدة الهرم البحثى المتنامى وكأنها سلم موسيقى، سلم موسيقى ان تناغمت أنغامه كان الطرب البحثى المثمر المؤدى الى الدفع القوى لعجلة التقدم بل والوقوف فى صفوف الدول والمجتمعات المتقدمة.
أما منظومات البحث العلمي المريضة التى اعتلاها المرض فلن يكون لها غير العلاج والترميم، لأنها كالأثر لايمكن الاستغناء عنه بل يجب ترميمه، لكونه يحتوى على الخبرات الكبيرة والكثيرة والتى ان لم تفيد فلن تضر ولأن العلوم التطبيقية لن تكون الا بالعلوم النظرية او الاساسية شريطة أن نجفف هذه العلوم النظرية من المنبع كونها تخصصات منفردة ودمجها مع أقرانها من العلوم التطبيقية بنسبة وتناسب على ان تكون النسبة الأكبر للعلوم التطبيقية. ضرورة لابد منها توافر هذه النسبة بداية من قاعدة الهرم البحثى أو التعليمى والتى سوف تؤدى بنا الى قمة بحثية متزنة متشبعة بكافة النواحى التطبيقية الانتاجية والمدعمة بكل مفاهيم العلوم الأساسية. وعلى الجانب الأخر، منظومة البحث العلمي التى وجودها والعدم سواء فلن يكون لها الا الاختفاء والرجعية والعودة الى العصور السحيقة والحصول على النيران من خلال تصادم صخرتين ببعضهما.
التنمية المستدامة فى منظومة البحث العلمي
التنمية فى منظومة البحث العلمي هى تنمية للمجتمع البشرى كله، ولن تتزايد التنمية البحثية الا بالمحافظة على استمرارية التنمية. واستمرارية التنمية مستحيل أن تتحقق فى كل الاتجاهات فى آن واحد ومن ثم وجوبية البناء من الأسفل الى الأعلى ضرورة علمية بحتة ولن نصل الى هذا الا بتحديد خطط استراتيجية لمجموعة من المحاور البحثية والتى يجب الا تتعدى أصابع اليد الواحدة حتى نحقق فيها تقدم ملموس. وليس المهم تحقيق التقدم الملموس لأن الأهم هو استمرارية هذا التقدم بل وزيادة صروحة حتى لا نعود لنقطة البداية. حقيقة الأمر، أن قارورة منظومة البحث العلمي شفافة تنضح بما فيها فيرى مابداخلها القاصى قبل الدانى مما يستوجب ضرورة الخوض فيها بحذر شديد. وان كان هناك حذر فى التعامل مع زجاجية منظومة البحث العلمي يأتى من أن الخوض فى المنظومة بدون علم فسوف يؤدى الى اهدار المال والجهد والوقت فى حين نجد التسلح بالعلم فى معركة البحث العلمي سوف يجلب للمنظومة قيمة مضافة من خلال تقنين والمحافظة على عوامل الاقتصاد الثلاث القائمة على المال والجهد والوقت.