عادةً ما يكون مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب من غيرهم من المرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة الأخرى، وعلى الرغم من أن السبب وراء ذلك ليس مفهوماً بعد، إلّا أن الباحثين في مركز جوسلين للسكري قد اكتشفوا أحد التفسيرات المحتملة لهذه الحالة.
من خلال إجراء تعديل وراثي على الفئران بحيث تصبح أدمغتها مقاومة للأنسولين، اكتشف العلماء بأن هذا الأمر جعل الحيوانات تظهر سلوكيات تشير إلى إصابتها بالقلق والاكتئاب، كما أنهم استطاعوا تحديد الآلية التي يمكن من خلالها تخفيض مستويات الناقل العصبي الأساسي (الدوبامين) في مناطق الدماغ والذي تبين ارتباطه بتلك الحالة.
يشير (كارل رونالد خان)، وهو رئيس الشؤون الأكاديمية في مركز جوسلين وأستاذ في الطب في كلية الطب بجامعة هارفارد ، وأحد كبار المؤلفين لهذا البحث الذي تم نشره في مجلة (PNAS)، أن هذه الدراسة تعتبر من أولى الدراسات التي تظهر بصورة مباشرة أن مقاومة الأنسولين في الدماغ يمكن أن تؤدي لحدوث تغييرات في السلوك.
خلال الدراسة، قام فريق البحث بتقييم حالة الفئران المعدلة وراثياً من خلال العديد من التجارب التي تضع الفئران تحت الضغوط، والتي عادة ما يتم استخدامها لتحليل الأدوية التي تعالج القلق والاكتئاب، وعلى الرغم من أن الفئران الشابة كانت تتصرف بطريقة مماثلة للفئران العادية تقريباً، إلّا أن الفئران التي كانت تبلغ من العمر 17 شهراً – وهي فترة تماثل أواخر منتصف العمر بالنسبة للفئران – أظهرت اضطرابات سلوكية كبيرة.
بعد فحص أدمغة هذه الفئران، وجد العلماء أن هناك تغيّرات أيضية حدثت في الميتوكوندريا “المتقدرة” التي توفر الطاقة للخلايا، ومن بين هذه التغييرات، لوحظ ارتفاع إنتاج الميتوكوندريا لاثنين من الأنزيمات التي تعمل على تحليل الدوبامين الذي يعتبر الناقل العصبي الرئيسي المسؤول عن السلوك في الدماغ، ويوضح الدكتور (خان) أن كمية إفراز الدوبامين في أدمغة هذه الفئران كانت طبيعية تماماً، ولكن بسبب هذه التغييرات التي أصابت الميتوكوندريا أصبح استقلاب الدوبامين يتم بشكل أسرع بكثير من السابق، مما يجعله لا يبقى طويلاً في الدماغ، ويعتقد الباحثون بأن هذا الأمر يساهم في التأثير على السلوكيات، وفي الواقع عندما تم إعطاء الفئران مضادات الاكتئاب التي تعمل عن طريق إبطاء تحلل الدوبامين، تمكن العلماء من تصحيح بعض التغيرات السلوكية لديها.
يشير العلماء أنه على الرغم من أن الآثار السلوكية لم تظهر لدى الفئران المعدلة وراثيا الأصغر سناً، إلّا أن التغييرات في الخلايا الدماغية حدثت لديها أيضاً، وحتى الآن لم يستطع الباحثون معرفة السبب الذي جعل تأثير هذه التغييرات السلوكية تزيد مع التقدم في السن، ولكنهم أشاروا إلى أن هذه النتيجة كانت منتشرة أيضاً بين نماذج الفئران التي تعاني من الاضطرابات العصبية، ويمكن أن تُشاهد أيضاً لدى البشر الذين يعانون من أمراض عصبية.
كانت أبحاث سابقة تم إجراؤها على الفئران و البشر قد بينت وجود علاقة بين مقاومة الانسولين والحالات العصبية الأخرى، وخاصة في حالة مرض الزهايمر، حيث أظهرت الدراسات السريرية أن المرضى الذين يعانون من مرض الزهايمر يظهرون انخفاض في مستويات الانسولين الذي يرسل البروتينات، وهذا يشير إلى دور مقاومة الانسولين في تلك الأمراض، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث السابقة التي كانت قد أجريت على الفئران أظهرت أن مقاومة الانسولين تحدث تشويهاً في البروتين المعروف باسم (تاو) بالطريقة التي يتم فيها تشويهه في المراحل المبكرة من مرض الزهايمر.
أخيراً يضيف الدكتور (خان)، أن الدراسات الأولية أظهرت أن علاج الأشخاص الذين يعانون من مرض الزهايمر مع الأنسولين المستنشق عن طريق الأنف، يسمح بوصول المزيد من الأنسولين مباشرةً إلى الدماغ، مما ساعد على إبطاء التغيرات في الوظيفة المعرفية لدى المرضى، ولكن ما يزال من المبكر جداً البت في الأمر، لأن الأبحاث ما تزال في مراحلها المبكرة، غير أنه من الممكن أن يتصور المرء بأن يكون للأنسولين المستنشق عن طريق الأنف بعض الآثار الإيجابية في محاربة الاكتئاب أو القلق عند الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري.