بقلم: أ. د. نصرالله محمد دراز
أستاذ علم المواد والنانوتكنولوجى
[[ المركز القومى للبحوث- الدقى – مصر ]]
ان القوى الناعمة لكثير من العمليات الصناعية تكمن فى العوامل المساعدة أو ما نطلق عليه ” الحفازات” لدرجة أن هذه القوى كانت ولازالت وستزال كنزا استراتيجيا لايكف عن العطاء. عطاء أدى الى ظهور أجيال جديدة ومتجددة من المنتجات التى نحن فى أمس الحاجة اليها كالمنتجات البترولية والدوائية والغذائية وغيرها. فعالم الحفازات هو نبع لا ينضب وبركان لاتخمد نيرانه أبدا لما يمتلئ به من جواهر ثمينة تزداد قيمتها على مر العصور. وبما أن لكل شئ أسراره فللحفازات أسرارها التى تكمن فى مفاتيح سحرها. وبمقدار تقدم الأمم يزال الغبار من على المعدن النفيس ويتجلى سحره لمكتشفيه، وتكتشف الأسرار الكائنة وسط اليم العظيم فتزدهر الحياة وتتطور الصناعات وترقى الأمم وتغرث الحضارات. وبالدوران فى فلك الحفازات، نجد أن أسرارها كادت تكون حكرا فى يد الأمم المتقدمة التى بذلت الكثير من الجهد للتربع على عرش التطور والتقدم التكنولوجى. تعتبر تكنولوجيا صناعة الحفازات من أهم الأسرار التى تستأثر بها الكثير من الدول المتقدمة لما لها من أهمية كبيرة فى عمر وكفاءة الحفاز. تكنولوجيا تصنيع الحفازات كغيرها من الصناعات اعتمدت على تقنيات متعددة ومختلفة طبقا للهدف المنشود من تصنيع الحفاز القائم على دعامتين أساسيتن هما الكفاءة الحفزية والانتقائية الحفزية. ومن هذه التكنولوجيا، تقنية ملئ المسام التى كانت أحد التقنيات المؤدية الى الحصول على حفازات ذات طبيعة خاصة ومتخصصة.
مطرقة ملئ المسام
تقنية ملئ المسام قديمة وحديثة فى آن واحد, تجد فيها عبق الماضى ورنين الحاضر وبريق المستقبل. هذه التقنية ينهل من محيطها الحفازات الصلبة فتمتلئ الشواطئ بالحفازات البسيطة والمختلطة المحملة والغير محملة على مادة (ركائز) ذات مساحة سطح معينة كالكربون النشط أو أنابيب الكربون أو الألومنيا أو السيليكا….. ألخ. قامت هذه التقنية على ملئ المسام أو ما يسمى بالثقوب الموجودة فى مسحوق المواد المراد الحصول على الحفاز بها. ورأى البعض أن هذه التقنية ماهى الا طريقة من طرق النقع للمواد المحضر بها الحفاز. وكأننا أمام مطرقة تسمى مطرقة ملئ المسام نقرع بها على سندان المواد الحفزية لتصنيع حفازات متخصصة. قرع من نوع خاص حتى يأتى بثماره المتنوعة التى تحتوى بداخلها على طبيعة هذا القرع والغاية منه. وكأن لهذه التقنية أليات محددة انبثقت من أهداف أكثر تحديدا. ولكى ينطلق جواد الحصول على الحفاز باستخدام هذه التقنية لابد من اتباع التالى: (1) تحديد التفاعل الكيميائى المراد انجازه بواسطة الحفاز، (2) تجهيز وتحديد مصادر المواد المراد الحصول على الحفازات منها ، (3) اذابة أحد أو بعض المواد المراد تحضير الحفاز منها فى مذيب مناسب مثل الماء المقطر او الكحول، (4) اضافة المادة او المواد المذابة على المواد الأخرى المراد انتاج الحفاز بها وبالتالى يتم غمرها أو ملئ مسامها بالمادة المذابة، (5) تسخين او حرق المواد المتحصل عليها عند درجات حرارة معينة ولفترة محددة.
أليات ملئ المسام
اختلتف أليات ملئ المسام باختلاف طريقة القرع الذى يسمى هنا النقع أو ملئ المسام. فهناك ألية ملئ المسام من خلال البلل وهناك أخرى من خلال الغمر. فملئ المسام بالبلل يكون من خلال اذابة المواد فى أقل كمية من المذيب للحصول على محلول يكفى لملئ المسام أو الثقوب ولايزيد عنها، أما ألية ملئ المسام بالغمر يكون فيها المحلول أكبر من المسام أو الثقوب فى المادة المضاف والمستخدمة أيضا فى تحضير الحفاز. عجائن مختلفة للمواد الأولية لتحضير الحفازات نحصل عليها من تقنية ملئ المسام نجدها عجينة متجانسة ومتماسكة الكيان فى حالة ملئ المسام بالبلل وعلى العكس تمدنا ألية ملئ المسام بالغمر بعجينة غير متجانسة وغير متماسكة يكاد يعلوها طبقة رقيقة من محلول المواد الذائبة. وكأن للصانع أهداف محددة ومتغيرة من هذه الصنعة التى حاك بها هذه العجائن، ولما لا؟ والأسرار كامنة فى بحور الحفازات واللهث خلف التطوير والابتكار فى عالم الحفازات مرغوب ومحمود النوايا.
أهداف تقنية ملئ المسام
الهدف الرئيسى من هذه التقنية هو انتاج حفاز ذو مواصفات محددة، ولكى نصل الى هذه المواصفات لابد من تحديد الهدف من ألية التقنية ذاتها. وهنا ينطلق جواد التصنيع الحفزى فى طريق ملئ المسام بالبلل كى يصل الى هدف التوزيع الكامل والمتجانس لكامل المادة أو المواد المذابة على سطح وفى داخل المادة أو المواد الصلبة المضافة اليها. وقد ينطلق جواد التصنيع فى طريق ملئ المسام بالغمر كى يصل الى هدف التوزيع غير المتجانس للمادة أو المواد المذابة على سطح وفى داخل المادة أو المواد المضاف اليها بحيث يكون تركيز المادة أو المواد المذابة أكبر على السطح منها فى الداخل. وفى بستان موكبنا الحفزى نقف أمام حفاز أكسيد النحاس المحمل على أكسيد الزنك كى نستنشق شعاع شمس هذا الحفاز الذى احتل أهمية كبرى فى الكثير من التطبيقات الصناعية والبيئية والتى منها أكسدة غاز أول أكسيد الكربون الملوث للبيئة لما له من تاثير سام على الكائنات الحية. هذا الحفاز قارعته تقنية ملئ المسام من خلال اذابة أحد مصادر اكسيد النحاس ( نترات النحاس مثلا) فى الماء المقطر ثم اضافة محلوله على أكسيد الزنك ثم حرق او تسخين الناتج عند درجات حرارة مختلفة للحصول على حفازات محدده.
القيمة المضافة فى تقنية ملئ المسام
تزداد أهمية وقيمة تقنية ملئ المسام عندما يرغب الصانع الحفزى فى الحصول على مركبات جديدة تتكون على سطح الحفاز أكثر من داخله من خلال التفاعل فى الحالة الصلبة بين مكوناته وذلك لن يكون الا من خلال ألية ملئ المسام بالغمر. فمن الموكب الحفزى الممتلئ بالكثير من الكنوز الحفزية نجد أكسيد المنجنيز المحمل او المرتكز على أكسيد الألومنيا والذى يمكن تحضيره بتقنية ملئ المسام بالغمر للحصول على ألومنيات المنجنيز علاوة على وجود كل من أكاسيد المنجنيز والألومنيوم.
سندان الحفازات
بمجرد أن يصطدم سندان الحفازات بمطرقة ملئ المسام، فلن تجد أمامك غير مارثون تصنيع الحفازات المتخصصة والمحددة الأهداف. ومابين السندان والمطرقة عوامل كثيرة ومتعددة تتحكم فى طبيعة وصفات الحفازات المحضرة والتى منها المصادر الأولية للمواد المكونة للحفاز والسيرة الذاتية لعملية الحرق او التسخين أو التحميص. ومع التقدم التكنولوجى الكائن الأن بين أحضان الطبيعة كان لمطرقة ملئ المسام وسندان الحفازات حديث أخر. فيا هل ترى ماهو هذا الحديث؟ انه حديث النانو. فكانت نانوية الحفازات بين قرعات مطرقة ملئ المسام وسندان الحفازات، بل كان من افرازات هذه القرعات الحفازات النانوية التى أثبتت جدارتها فى ميادين شتى.