لاحت فى الأفق سحابة كثيفة من دخان أسود كاد من شدة ظلمته أن يعوق و يحجب رؤية كل الأشياء كبيرها قبل صغيرها.
بمرور الوقت ازدادت كثافة السحابة السوداء واختفى معها نور القمر ومن بعدها تضاءل نور الشمس لدرجة أننا قد فقدنا القدرة على تلمس أشعة ضوئها، وكأن هناك حدث عظيم وطامة كبرى قد ألمت بالجميع!!!.
فيا هل ترى ما الخبر؟ أهى الساعة؟ أم انه غضب من الله تعالى قد حل علينا بما جنت أيدينا؟. ذهب الجمع من كل حدب وصوب يتسآل؟ صرخ الرضيع فى مضجعه واهتزت شيبة الشيخ فى مأمنه وسادت الفوضى بين القوم، و خشنت الأصوات من كثرة الصراخ على ظلام كادت تغوص فيه الأرض قبل السماء.
أصوات الألم ألمت بالجميع، صرخ منها الكبير قبل الصغير، الكل قد فقد صوابه من بشاعة وضخامة ما حدث، لأن الأمر لم يكن بالأمر العادى بل تعدى كل الحدود وغاص بالقوم فى بحور وظلمة اللامعقول.
اعتاد الناس أن تنفجر البراكين من الأرض وتتساقط الأمطار من السماء، واذا بهم يجدون الأرض قد غاصت منهم فى مستنقعاتهم والسماء قد اختفت منهم وسط براكينها، أهى القيامة؟ أم أن ما اعتادوه وما تعارفوا عليه من سنن وقوانين قد بدلها الله عليهم فجائهم بطير أبابيل؟. تجمع حكماء القوم فى دار الحكمة يتدارسون هذه الظاهرة فيما بينهم، باحثين عن ماهية وأسباب هذه الظاهرة مع أخذهم فى الاعتبار أهمية وضرورة الوصول الى حل قوى بل وجذرى للتغلب على هذه الظاهرة التى أدت بالجميع الى هذا الواقع الأليم. وبعد البحث الطويل القائم على الفحص والدرس الدقيق، وجد الحكماء أنفسهم أمام مطرقة السطو العلمى وسندان الأمانة العلمية.
عندئذ تقدم كبير الحكماء رهطهم المهيب وأخذ على عاتقه توضيح ماهية هذه المصيبة الكبرى التى تسمى بالسطو العلمى أو الانتحال أو على وجه الدقة ما يسمى بالسرقة العلمية. فى البداية غمر الرجل الحزن الشديد وكادت كلماته لاتستطيع الخروج من حلقه من شدة الألم الداخلى النابع من بركان الحق والحقيقة المجنى عليهما، قائلا: اعزائى وأحبائى كم كنت أتمنى ألا أحيا الى هذا اليوم الذى أرى فيه ما نحن فيه من عبث مقصود و منضود قد أودى بنا الى التهلكة التى ألمت بنا نتيجة تصرفات سيئة من لصوص الكلمة، الكلمة التى اشتغل بها هؤلاء اللصوص دون أن يدركوا أن لها ناموس وضعى و دستور الهى ما كان يجب لهم أن يخالفوه على الاطلاق نظرا لما جاء فى قوله تعالى ” مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” ” [ ق : 18 ].
وأيضا قوله تعالى ” وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ” [ الانفطار : 10 – 12 ]. تساقطت الدموع الملتهبة على اللحية البيضاء للرجل وكاد أن يسقط على الأرض مغشيا عليه عندما قرأ قوله تعالى ” قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أهْلَكْتَهم مِن قَبْلُ وإيّايَ أتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا إنْ هي إلّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَن تَشاءُ وتَهْدِي مَن تَشاءُ أنْتَ ولِيُّنا فاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا وأنْتَ خَيْرُ الغافِرِينَ” [الأعراف: 155].
ثم زاد الرجل فى قوله قائلا، أحبائى الكرام سامحونى لن أستطيع تجميل كلماتى أمامكم بل سأقولها واضحة صريحة تملئ الأرض وتبلغ عنان السماء اننا أمام أخطر أنواع السرقات، السرقات العلمية، لما لها من آثار مرتده قد لا يعلمها هؤلاء الجهلة الذين ارتكبوا جريمتها، نعم انهم مجرمين قد فاقوا بجريمتهم كل الحدود لأنهم قد احتالوا على الجميع بفعلتهم النكراء وسرقتهم للعلم وخيانتهم للأمانة ولا أقول انتحال أو اقتباس ولكنى أقول سرقة وخيانة أمانة بكل صورها وأشكالها ومعانيها لأنها جاءت عن تصرف هؤلاء اللصوص فيما ليس لهم من مال أو غيره فى حين أن الله تعالى وعباده من بعده قد أئتمنهم الله جل شأنه على ما بين أيدهم من علم جاء لهم و لغيرهم، ولكن نفوسهم الضعيفة وعقولهم المريضة قد سولت لهم هذه السرقة المختلطة بدم بارد بل الممتزجة بجهد جهيد ووقت ثمين قد ضحى به شرفاء القوم وسادتهم.
وحتى لا أطيل سأوجز لكم السرقة العلمية فى أبسط معانيها وأدق مفهوم لها على أنها ” هى الاستخدام غير المعترف به لأفكار وأعمال الأخرين سواء كان بقصد أو بدون قصد لما فى ذلك من انتهاك خطير لكل ما جاءت به كافة الأديان السماوية و تدمير لكل ما انبثق عنها وعن ممارستنا لكافة صور الحياة من اعراف وتقاليد قد توارثناها أب عن جد علاوة على مخالفتها لكافة القوانين الوضعيه حتى وان كانت غير مكتملة وغير واضحة.
ونظرا لما فرضته على الظروف، يقول الحكيم، فسأوضح من موقعى هذا ومن واقع تكليفكم لى ككبير لرهطكم هذا بعض الصور والأشكال الأكثر تجليا والأشد ضررا لانتهاك الأمانة العلمية هذا الانتهاك الناتج من السرقة العلمية، هذا لأن الطامة الكبرى قد حلت وانتشر الفساد فى الأرض بما كسبت أيدى الناس نظرا لغياب جوهر الحياة وقوامها الكائن فى الأمانة وخصوصا الأمانة العلمية التى هى فى الأصل عماد وهيكل كل أمانة.
حيث أعجبنى، يقول الحكيم، كل ما جاء به كل من أ. معمرى المسعود، الباحث بجامعة الجلفة، د. عبدالسلام بنى حمد، بأكاديمية الشرطة الملكية بالأردن، فى المطلب الثانى تحت عنوان: أشكال وصورالسرقة العلمية الأكثر شيوعا فى الوسط الأكاديمى والتى منها:
(1) السرقة العلمية الكاملة، التى تكمن فى السلب الكامل والحرفى للمنتج الفكرى سواء كان كتاب أو مقال أو جزء من كليهما دون الاشارة من بعيد أو قريب الى مصدر هذا المنتج.
(2) و السرقة العلمية باعادة الصياغة، والتى تكمن هى الأخرى فى السلب والانتحال الكامل غير الحرفى للمنتج الفكرى من خلال اعادة صياغة العبارات بتفكيكها و اعادة تركيبها دون الاشارة الى المصدر الأصلى لهذا المنتج.
(3) و السرقة العلمية للاسلوب، والتى تقوم على اعادة هندسة المنتج الفكرى للأخرين بعبارات مختلفة عن الأصل مع اتباع نفس النهج فى طريقة العرض واحتواء نفس الفكرة دون الاشارة الى المصدر الأصلى للمنتج.
(4) و السرقة العلمية باستخدام الاستعارة، التى تقوم هى الأخرى على استعارة المنتحل أقصد لص المنتج الفكرى لبعض الصيغ والعبارات لتفسير أو توضيح منتجه المختلط بالمنتج المسروق دون الاشارة الى هذا المنتج الأصلى.
(5) وأخيرا السرقة العلمية للافكار، التى تكمن فى سرقة فكرة أو مقترح ما دون الاشارة الى المصدر الرئيسى لهذه الفكرة أو المقترح.
وفى حقيقة الأمر ان هذه السرقة تمثل أخطر أنواع السرقات العلمية كونها قد قامت على اختلاس الفكرة الأصلية، هذه السرقة التى قد لا يمسك بأطرافها أحد ولكن وبلا شك يشعر بها الجميع ، الصغير قبل الكبير، ولكنهم لا يستطيعون أن يقيمون على السارق الحجة والدليل، لا لشئ غير أنهم أمام لص محترف امتلك من القدرات الاجرامية ما استطاع به أن يتلاعب بالكثير من عقول كاتمى كلمة الحق، متخذا فى ذلك من جهلهم المتأصل فى قلوبهم المريضة ما يكون عاملا مؤثرا فى زيغ أبصارهم وتلجيم ألسنتهم من خلال كلمات واهية لا تنطلى الا على كل جاهل أو حاقد، كقول السارق للمسروق أنه ليس الوحيد الذى يعمل فى هذا المنتج الفكرى المعتدى عليه الى غير ذلك من الكلمات الشيطانية التى سوف يؤاخذ عليها ان آنفا أو عاجلا.
هذا ولم يكتف حكيم الرهط بكلماته السابقة ولكنه رفع يديه الى السماء حتى ظهر بياض ابطيه صارخا، هل اكتفى لصوص العلم بكل ما سبق؟ لا والله بل اتقنوا وسائلهم وزادوا من كفاءتهم الاجراميه مستغلين أى تقدم تكنولوجى حتى جاءوا لنا بالتزييف العلمى أو ما يطلق عليه البعض الفبركة العلمية والتى من خلالها يقوم السارق باهدار وتوقف السجل التاريخى للمنتج العلمى الأصلى واختلاق سجل تاريخى مزيف غير حقيقى مما يؤدى الى الخلل الشديد فى ذاكرة المجتمع العلمى والاتيان بنتائج و وقائع غير موجودة أصلا، وهم فى هذا مدركين ادراكا كاملا أن فى هذا تدمير كامل لكل فكر بناء. واستشهد الحكيم ببعض هؤلاء اللصوص الذى يقطعون أجزاء من صور وأشكال علمية لشئ علمى محدد ومعين ويطلقون عليها أشياء أخرى، هؤلاء الذين يغيرون ما أنزل الله معتقدين أنهم بذلك قد جاءوا بجديد ولكنهم والله ما غيروا ولن يستطيعوا أن يغيروا ما أنزل الله تعالى فهذا علم الله الذى يكتشفه من أراد الله له أن يكتشف عنه الحجاب، ولكن الله تعالى يستهزئ بهؤلاء اللصوص ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
وللمرة الثانية تعود دموع الحكيم لتبلل لحيته الناصعة البياض، الأمر الذى أدى الى ترقرق الدموع فى عيون كل الحاضرين وخروج زفرات الحزن من أفواهم على واقعهم الأليم، عندئذ تحدث كبير الحكماء عن أسباب انتشار هذه الظاهرة السافرة. حيث أرجع الحكيم هذه الأسباب الى غياب الوازع الدينى عند هؤلاء اللصوص الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم وصنفهم مع الفاسقين، كما أرجعها الشيخ الحكيم الى غياب الرادع القانونى الذى خلت منه الكثير من التشريعات وتشتت أجزاؤه بين الكثير من النصوص الغامضة التى عجز الكثير عن تفسيرها وأخذها طبقا لما يتفق وهوى النفس وسوء التقدير.
ثم بعد ذلك، وقف الحكيم والتقط بعض أنفاسه وزاد فى قوله حول أسباب أنتشار ظاهرة السرقة العلمية مضيفا بعض الأسباب الأخرى التى منها عدم وضوح مفهوم السرقة العلمية أو الادعاء الكاذب بعدم وضوح هذا المفهوم أو حتى تأويله طبقا لهوى النفس والكيل بمكيلين والتغاضى عن أخطاء أهل الثقة.
لم يتوقف الحكيم عن السرد فأضاف أن لفطرة الانسان تأثير فى هذه الظاهرة، هذه الفطرة التى تحب كل ما هو سهل وفى متناول اليدين، ولكنه أكد فى نفس الوقت على أنه لا يعول كثيرا على تأثير هذا السبب اعتمادا على أنه لا يميل تفسير الفطرة بهذا الشكل العبثى لأنه لا ولن يتأثر بهذا التفسير الا ضعاف النفوس سواء كانوا نصابين أو محتالين أو لصوص، الأمر الذى يجب ألا يكون موجود من الأصل فى العلماء.
جلس الشيخ الحكيم متأثرا بما توصل اليه الباحثين سالفى الذكر من آثار حول تفشى آفة السرقة العلمية، ناقلا للحضور مضمون ما جاءوا به من آثار والتى كان منها ما يلى: أن هؤلاء اللصوص البلهاء يقضون دون أن يشعرون على ملكة البحث لديهم وفى نفس الوقت يبثون روح السلبية واليأس والاحباط عند الباحثين المجتهدين بمعنى أن هؤلاء اللصوص يقطعون بأيديهم الملوثة بالفساد كل أيدى نظيفة سعت وتسعى للبناء والتعمير والتقدم.
كما أن تواجد هؤلاء اللصوص يؤكد و بما لا يدع أى مجال للشك أن هناك من حصل على درجات علمية لا يستحقها بمعنى أن هناك عناصر فاسدة ودخيلة على المجتمع الأكاديمى تفسده وتضره. ثم عاد الحكيم وصرخ فى استغراب قائم على أنه من الممكن أن يعتلى هؤلاء المنتحلين، لكل منتج الفكرى، مناصب ادارية مهمة يقودون بها المجتمع العلمى، وعندها ستكون الطامة الكبرى التى سوف تلحق بمنظومة البحث العلمى وتؤدى بها الى الانهيار الكامل وعدم القدرة على استحداث ما هو جديد بغية الاستغناء عن الاستيراد وتحقيق منظومة الاكتفاء الذاتى.
زاد صراخ الشيخ الحكيم بكلمات زلزلت كيان الحاضرين عندما أكد أن هؤلاء اللصوص من من اعتلى المناصب دائما وأبدا ما يحيطون بمن هم على شاكلتهم ويحموهم لأنهم الحصن والدرع القوى والأمين لبقائهم واستمرار تواجدهم.
و لأن فاقد الشئ لا يعطيه، فلن يتتلمذ على أيدى هؤلاء اللصوص الا كل من شرب من مستنقعهم الملوث بالرذيلة. و بما أنه لا يستقيم الظل والعود أعوج، فلن نجد فى أى مؤسسة قد اعتلى عرشها مثل هؤلاء اللصوص الا كل فساد مالى و ادارى فاق كل حد وارتفع فوق كل ارتفاع.
وفى النهاية رفع الحكيم ومن خلفه من رهط أيديهم الى السماء داعين الله بنزول رحمته وزوال الغمى وأن يفضح الله أمر هؤلاء اللصوص، وأن يهدى حكماء الأمة الى تعديل القوانين الموجودة و سن الجديد منها لزجر وردع هذه الشرذمة الضالة المضللة التى ان تم تطهير المنظومة البحثية والاكاديمة منها كانت السلامة فى كل من القول والفعل وكانت مطرقة السطو العلمى غير مسموعة أو مرئية وكان لسندان الأمانة العلمية أن يستقبل مطرقة التقدم والرقى ذات الصيت والصوت الذائع فى كل مكان فى الأرض وفى السماء.