في 13 مايو من العام الجاري أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي (ديمتري روجوزين) أن بلاده ستنهي التعاون مع محطة الفضاء الدولية بعد عام 2020، وقد أثار هذا التصريح الكثير من التشاؤم في عناوين الصحف, فقد عنونت إحدى الصحف العلمية “الإنتقام الروسي سيودي بالمحطة الفضاء إلى التهلكة” في حين كان الخبر كما نشرته محطة (NBC News): “روسيا تخطط لقتل محطة الفضاء في 2020”.
الأمر الذي غاب عن أذهان الكثيرين هو أن مصير محطة الفضاء الدولية ليس معروفاً بعد عام 2020, فالمحطة الفضائية الدولية التي تم إطلاقها في عام 1998، أصبحت قريبة من انتهاء فترة صلاحيتها الوظيفية، فضلاً عن أن أجزاء كبيرة من هيكلها قد تدهورت بعد عقود من تعرضها للحر و البرد الشديدين, والحقيقة بأنه إذا ما تم ترك المحطة في الفضاء من الممكن أن تتحول إلى خردة فضائية خطرة, ولذلك كان المخطط أن يتم تدمير محطة الفضاء الدولية عن طريق إعادة إدخالها إلى الغلاف الجوي للأرض و تحطيمها في المحيط.
منذ عام 2010 بدأ الفريق الإداري لمحطة الفضاء الدولية بمناشدة الجهات المعنية لتمديد عمل المحطة من العام 2020 إلى العام 2028, وهي السنة التي تتزامن مع ذكرى إطلاق وربط أول قسمين من المحطة الفضائية الدولية مع بعضها البعض؛ القسم الروسي المسمى بـ(زاريا) Zaryaوالقسم الأميركي المسمى بـ(يونتي) Unity، وقد وافقت إدارة (أوباما) في وقت سابق من هذه السنة على تمديد عمل المحطة حتى عام 2024, ومن غير المعروف كيف سيتم تنفيذ هذا التمديد سواء على الصعيد التكنولوجي أو على الصعيد المادي، خاصة فيما إذا التزمت حكومة (بوتين)بتصريحها الأخير.
والجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا عن موعد انتهاء مهمة المحطة الفضائية الدولية, ففي عام 2011 أعلن مسؤول في وكالة الفضاء الإتحادية الروسية عن هذا الخبر, ولكن ناسا أعلنت أن وكالة الفضاء الدولية لم يتم إبلاغها رسمياً عن توقف التعاون الأمريكي الروسي فيما يخص محطة الفضاء الدولية, ولكن البرود الحالي في العلاقات بين روسيا و أمريكا والناجم عن الأزمة في أوكرانيا هو ما دفع بعض المستثمرين للشعور بالتهديد إزاء تهديد وكالة الفضاء الإتحادية الروسية في الآونة الأخيرة.
الخطاب الروسي التهديدي لم يكن مستغرباً بالنسبة لـ (جيمس أوبيرغ) مؤلف كتاب “نجم أحمر في المدار”, فبحسب قوله أن نائب رئيس الوزراء الروسي(روجوزين) يحاول إعادة إحياء صناعة الفضاء الروسية التي بدأت بالانحدار, وهذا الانحدار قد يفسّر الاقتراح الروسي لإنشاء مستعمرات روسية على القمر بحلول عام 2050، والذي تمت الإشارة إليه مؤخراً على صفحات جريدة (Komsomolskaya Pravda), ويضيف (أوبيرغ) أن تحديد عام 2020 كموعد لإنهاء العمل في المحطة الفضائية هو اعتراف صريح على أن الروس يحتاجون إلى الأمريكان في هذا الشأن بقدر ما يحتاج الأمريكان إليهم, حيث أن الولايات المتحدة تعتمد على روسيا في نقل رواد الفضاء من وإلى محطة الفضاء الدولية, ووحدات المحطة الفضائية الروسية توفر حالياً قوة الدفع لهيكل المحطة, ولكن في الوقت ذاته فإن الطاقم الروسي في داخل المحطة الفضائية يعتمد في مجال الكهرباء والاتصالات على المعدات المصنعة من قبل أمريكا, زد على ذلك أن الجهود الروسية الرامية لاستكمال وإطلاق قسم العلوم الخاص بها متأخر بسنوات عن الموعد المحدد, ولإتمام ذلك روسيا بحاجة للاعتماد على مختبرات دول أخرى.
ولكن بغض النظر عن سياسة روسيا الفضائية، فإن (أوبيرغ) مازال متفائلاً بالإنجازات التي يمكن أن تُحقق في مجال الفضاء بالعقد القادم, حيث يعتقد بأن سيتم العدول عن استعمال نموذج (سيرن) CERN الذي يعتمد على المساهمة و التعاون من قبل دول متعددة في منشأة بحثية واحدة، إلى نموذج (أنتاركتيكا) Antarctica الذي يعتمد على العديد من المحطات الصغيرة تقوم بالتنسيق فيما بينها لبدء استكمال البحوث التي يتطلبها العلم.
وأخيراً يضيف (أوبيرغ) أنه إذا ما قررت روسيا الانسحاب من المحطة الفضائية الدولية في عام 2020 فإن ذلك سيحدث بالتزامن مع إطلاق مركبات فضائية تنقل البشر مثل SpaceX’s Dragon, وهذا سينهي الاحتكار الروسي لنقل رواد الفضاء من و إلى المحطات الفضائية.