ان المثلثات من الأشكال الهندسية الهامة التى عمد سقراط الى أن تكون رمزا لمصفاة اختباره لسماع أو الاهتمام بأى شئ يعرض عليه. ولأن المثلثات تختلف فيما بينها اعتمادا على زواياها ومن ثم أضلاعها، كانت التصنيفات المتعددة لهذه المثلثات تارة طبقا لأطوال اضلاعها وتارة أخرى طبقا لمقياس زواياها. فمن حيث طول أضلاع المثلثات يمكن تقسيمها الى:- مثلث متساوي الأضلاع له ثلاثة أضلاع متساوية الطول، ومثلث متساوي الساقين له ضلعان متساويا الطول، ومثلث أخير غير متساوي الأضلاع لا يحتوي على أي أضلاع متساوية الطول. ومن حيث مقياس زوايا المثلثات يمكن تصنيفها الى:- مثلث قائم الزاوية له زاوية واحدة قائمة، ومثلث حاد الزاوية جميع زواياه حادة، ومثلث أخير منفرج الزاوية يتمتع بزاوية واحدة منفرجة. وأعتقد أن مصفاة مثلث سقراط فى قياس مدى الاستماع أو الاهتمام بالأشياء تقوم على المثلث المختلف الزوايا والأضلاع، على أن يكون الضلع الأكبر المقابل للزاوية المنفرجة هو الجدير بالبدء والاهتمام كونه مصفاة للحقيقة، على أن يليه الضلع الأصغر فالأصغر فى اشارة الى مصفاة الخير التى يليها مصفاة الفائدة. مفاد هذا أنه يجب ألا يسترعى اهتمامك الا الحقيقة كخطوة أولى لا يجوز الانتقال منها الى الخطوة الثانية الا بعد التأكد من ثبوتها كأجراء شكلى لا يجوز نظر أى اجراء موضوعى حال غياب الحقيقة. فتناول الأشياء يجب أن يخضع لكل من الاجراءات الشكلية التى ان لم تتحقق فيكون نتيجة لانعدامها وعدم الالتزام بها التغاضى وعدم نظر موضوعها لفقدانها الشكل المنوط بنا اثباته فى الشئ المعروض للفحص والتمحيص. فان وجدت الحقيقة فالبحث فى ماهية تواجد الخير والفائدة يكون تحصيل حاصل لكشفهما، ومن هنا قرر سقراط عدم الاستماع أو الاهتمام فما هو معروض الا بعد التأكد من ثبوت حقيقته ولتأكيد نظريته وكشف مصفاة مثلثه جاء لنا بمصفاة أخرى أطلق عليها مصفاة الخير لما هو معروض عليه ثم لجأ فى النهاية الى مصفاة الفائدة أو المصلحة. حيث ختم سقراط الحديث لمحدثه بقوله إذاً مادام ماتريد أن تقوله لست متأكداً من حقيقته، ولاٰ هو للخير، وليس له فائدة، فلماذا تريدني أن أسمع..!
حيث اصطدم سقراط ذات يوم بأحد محدثيه يقول له بحماس شديد : هل تعرف ما سمعته أخيراً عن أحد تلاميذك؟!، فأجابه سقراط بحكمته المعهوده وفلسفته الغائرة: قبل أن تتكلم أريد أن أجري عليك اختباراً بسيطاً وهو اختبار “مصفاة المثلث”.. هنا وقف السائل متعجبا ومندهشا وبادر بالسؤال: وما هو هذا الإختبار العجيب؟. تبسم سقراط ضاحكا وأجاب قائلا: هو اختبار يجب أن نجريه قبل أن نتكلم، سنبدأ في تصفية ماسوف تقوله. وهنا بدأت المبارزة الفكرية والعمق الفلسفى المنطلق من سقراط حيث قال: أول مصفاة اسمها الحقيقة هل أنت متأكد أن ما ستقوله لي هو الحقيقة؟، عندئذ اهتز السائل وتلعثم لسانه وانطلقت كلماته الهشة قائلا: لاٰ لست متأكداً، أنا سمعته من فلان. هنا لم يتكف سقراط ولم يتوقف عن سجاله ولكنه استفاض كى يؤكد له وللجميع أنه كان يجب عليه أن يصمت، حيث قال سقراط حسناً، إذاً أنت لست واثقاً إن كان الأمر صحيحاً من عدمه. وانتقل سقراط بحديثه إلىٰ المصفاة الثانية وهى مصفاة الخير، واسترسل قائلا، وهل ما ستقوله لي هو للخير؟، عندئذ أجاب السائل : لاٰ بل علىٰ العكس. هنا أكمل سقراط ، حسناً تريد أن تقول لي خبراً سيئاً حتىٰ وإن لم تكن متأكداً من صحته؟ ومع ذلك فسوف نجرب المصفاة الأخيرة وهى مصفاة الفائدة، هل ما ستقوله لي سيعود علي بالفائدة؟ أجاب السائل في خجل لاٰ ليس له فائدة.
هذا هو حال الكثيرين من المحيطين بنا، ينطلقون من أكواخهم الفاسدة ومستنقعاتهم المكتزة بكل ألوان الجهل الجهول وَإِذَا تَوَلَّوا يسعون فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَوا فِيهَا وَيُهْلِكَوا الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. لذا وجب الصمت ووجب استخدام مصفاة المثلث فيما يعرض علينا وفيما نسعى اليه ونهتم به.