مشروع قانون الابتكار الطبي, والمعروف أيضاً باسم مشروع قانون (ساتشي)، يدّعي تشجيع الابتكارات في مجال العلاج لفائدة المرضى, ولكن يبدو أنه سيأتي بنتائج عكسية.
قامت الحكومة البريطانية مؤخراً بالتشاور بمشروع قانون الابتكار الطبي، والذي يعرف باسم مشروع قانون (ساتشي), والذي في حال تم إقراره سيؤدي إلى تغيير جذري في الطريقة التي يقوم بها الأطباء بعلاج المرضى, و يهدف هذا القانون حسب ما جاء في موجباته, على تشجيع الابتكار المسؤول في العلاج الطبي, وبعكسه منع الابتكارات الطبية الغير مسؤولة, ويزعم مناصرو هذا القانون أن ما يمنع الابداع بالمجال الطبي حالياً هو أن الأطباء ما زالوا مترددين في استبدال طرق العلاج التقليدية خوفاً من أن تتم مقاضاتهم.
مشروع قانون (ساتشي) الذي تقوم الوسائل الاعلامية بدعمه، يروّج له باعتباره الوسيلة التي سنصل بها إلى إيجاد علاج لمرض السرطان, إضافةً إلى الكثير من الأمراض الأخرى المستعصية, وتزعم حملة مشروع القانون الإعلامية والتي تملك حساب تويتر خاص بها، بأن المشروع مدعوم من قبل شريحة واسعة من ممتهني الطب فضلاً عن فئات كبيرة من المرضى, ولكن للأسف فإن الدلائل تشير إلى غير ذلك, كون حملة التأييد لمشروع قانون (ساتشي), شهدت اتهامات عديدة و متكررة، سواء لجهة عدم شفافيتها من ناحية الحملة الدعائية ودعمها، أو لجهة النتائج الحقيقية التي يمكن أن تنجم في حال تم إقرار المشروع كقانون، إضافةً إلى وجود فجوة كبيرة بين ما يحتويه مشروع القانون فعلاً وبين ما يقوم المناصرين لمشروع القانون بترويجه، وهذه الفجوة أدت إلى بزوغ فجوة أخرى تتمثل في اختلاف النتائج التي يُروَّج لها، عن التي يمكن أن تنجم عن تطبيق القانون على أرض الواقع.
ويبدو أن مشروع القانون هذا قد وُضع خصيصاً ليحمي الأطباء الذين يقومون باتخاذ قرارات طبية لا يدعمها أياً من زملائهم في المهنة, فإذا ما قرر طبيب ما القيام بشيء يعده زملاؤه غبياً أو خاطئاً أو حتى خطيراً, سيكون هذا الطبيب قادراً على تنفيذه, وسيبقى الطبيب محمياً بموجب مشروع القانون، وبمعنى آخر فإن مشروع القانون سيمنح للأطباء الحرية بإعطاء أدوية غير موافق عليها من قبل أطباء مسؤولين.
الحملة الداعمة لمشروع القانون، تدّعي بأنه سيحمي المرضى، لأن الأطباء سيكونون مضطرين لمناقشة حالة المريض مع أخصائيين وخبراء, وعادةً ما سيتم ذلك داخل العيادات أو المستشفيات, بهدف الحصول على إجماع من الكل حول الطريقة الأفضل لإجراء العلاج للمريض, فضلاً عن أن القانون يحتّم أن يتم اتخاذ القرار النهائي مع المريض أيضاً، ولكن بمراجعة نصوص المشروع، نجد بأنه ينص بأن أحد العوامل التي يجب على الطبيب مراعاتها عند اتخاذ القرار بالعلاج هو التشاور مع فريق متعدد الاختصاصات من الأطباء, ولكن المشروع ينقصه لهذه الجهة الصيغة الإلزامية، كونه لا يلزم الطبيب بمشاورة الأطباء, فضلاً عن أن المشروع لم يحدد من هم الأطباء الذين يجب على الطبيب المعالج مشاورتهم, وأغفل ذكر الشروط الواجب توافرها فيهم من حيث المؤهلات والخبرة والممارسة، كما أن المشروع لم يمنح الأطباء المستشارين القدرة على رفض رأي الطبيب المعالج, حيث في حال تم رفض العلاج من قبل جميع الفريق الاستشاري, فسيكون بمقدور الطبيب رغم ذلك متابعة العلاج الذي اقترحه, ومن الواضح بأن هذا لا يعطي المريض أية حماية من المعالجة الغير مسؤولة.
ومن ناحية أخرى, فإن مشروع القانون لم يقم بتحديد صلاحيات الطبيب بالانفراد برأيه بالحالات المستعصية فقط, إذ أنه لا وجود لأي بند ينص على ذلك في مشروع القانون, حيث أن العلاج الذي يقترحه الطبيب المعالج يمكن تطبيقه في أي نوع من العلاجات سواءً كانت الحالات المرضية خطيرة أو عادية, و بغض النظر عمّا إذا كان يوجد علاج آخر فعال متاح بالفعل أم لا يوجد.
إضافة لما تقدم وعلى الرغم من أن مناصري المشروع يزعمون بأن مناقشة العلاج مع المرضى يجب أن تكون وسيلة لمنع الإساءة التي قد تُمارس عليهم بموجب نصوص القانون, ولكن الواقع يقول عكس ذلك إذ لا يمكن أن نتوقع أن يكون المرضى بمثابة حاجز لإيقاف هذه الإساءة, ففي الحالات المرضية الخطيرة التي لا يتوفر لها علاجات معروفة النتائج, يكون المريض في حالة يأس واستعداد لتجربة أي شيء, وهنا لا يكون الوقت مناسباً لننتظر منهم أن يقوموا بالتفكير بعيداً عن العواطف حول حمايتهم الشخصية.
أما بالنسبة لزعم حملة مؤيدي المشروع بأن إقرار المشروع يمكن أن يؤدي لاكتشاف علاج لمرض السرطان كونه يمنح الطبيب الحرية بتجربة طرق علاجية جديدة, فإن هذا القول مدحوض بالنص الأساسي للقانون الذي يمنع استخدام الأبحاث العلمية كطريقة للمعالجة, وبهذا لا يمكنه توفير معلومات عمّا إذا كانت التجربة فعالة أم لا, و الأسوأ إن كانت مؤذية أم لا، فضلاً عن أن العلاجات الجديدة الفعّالة وغير المجرّبة -إن وجدت- فإن عددها ضئيل جداً بالمقارنة مع تلك التي يمكن أن تكون علاجات غير فعّالة و خطيرة إلى حد بعيد, زد على ذلك بأنه لا يوجد أي رادع يمنع الدجالين أو الأطباء غير الأكفّاء عن استغلال هذا القانون, مما يمكن أن يعرض المرضى للخطر.
وتبعاً للكلية الملكية لأطباء الأشعة, فإن هذا القانون قد يعطي المرضى الضعفاء واليائسين آمالاً زائفة, و يعرضهم لعلاجات غير مجدية أو حتى ضارة, بغض النظر عن التكلفة الزائدة التي يمكن أن تنجم عن إقرار هذا المشروع.
في النهاية, فإن جميعنا يدعم الابتكار الطبي المسؤول, ولكن هذا القانون -وفق ما ذُكر- لن يقودنا لأي ابتكار طبي لعلاج أي مرض مستعصي, فيجب أن نتوقف عن التفكير بعالم المثل و نبدأ بالتفكير بناء على أسس واقعية.