شهدنا خلال هذا العقد ثورات كبيرة في مجال النقليات، وقد تحدثنا مطولاً عنها جميعاً، ولكن في هذه المقالة سننظر إلى الكيفية التي ستصوغ فيها هذه الثورات حياتنا وعملنا وعالمنا، ونستكشف أحدث التطورات في مجالات النقل المختلفة، من المركبات ذاتية التحكم، إلى العالم الافتراضي والهايبرلوب، وحتى النقل الجوي.
السيارات ذاتية القيادة
حقبة السيارات ذاتية القيادة آتية لا محال، وقد تأتي أسرع مما كنا نتخيل، فجميع شركات السيارات الكبرى أصبح لديها نموذجها الخاص من السيارات ذاتية التحكم، ومن المتوقع أنه بحلول عام 2035، سيكون هناك أكثر من 54 مليون سيارة ذاتية التحكم تسير على الطرقات، وهذا سيغير كل شيء، حيث أنه أولاً، قد يساهم في إنقاذ حياة العديد من الأشخاص، فهناك 1.2 مليون شخص يلقون حتفهم سنوياً جراء حوادث السيارات، ولكن السيارات الذاتية القيادة لا تسير على الطريق وهي ثملة، ولا تقوم بإرسال الرسائل النصية أثناء القيادة، ولا تصاب بمرض الزهايمر، ولا تغفو على عجلة القيادة.
بالإضافة إلى ذلك يمكن للسيارات ذاتية القيادة أن تزيد من كفاءة استخدام الطرقات، حيث يمكن أن تتسع طرقاتنا للسيارات الذاتية القيادة بنسبة أكثر من ثماني مرات من السيارات العادية، كما أنها تحافظ على الطاقة، فاليوم، تستهلك وسائل النقل ما يقارب من 25% من موارد طاقاتنا، وهي لذلك تخفض من فاتورة تعبئة السيارة بالمحروقات، كما أنها أيضاً توفر فاتورة التأمين الذي لن تعود بحاجة إليه عند امتلاكك للسيارات التي لا تتعرض للحوادث.
ومن جهة ثانية يبدو بأن وسائل النقل ذاتية القيادة لن تقتصر فقط على السيارات الشخصية، فقد قام مؤخراً المهندس والمصمم الصناعي الإيطالي (توماسو جيتشيلين) بطرح تصميم لوحدة مفاهيمية تدعى (Next) مؤلفة بشكل أساسي من غرف كهربائية يمكنها الاتصال والانفصال عن بعضها حسب الحاجة.
وبعيداً عن مجال المركبات ذاتية القيادة، تأتي آلية جديدة تنزل في خانة السيارات، ففي محاولة لابتكار شيء يلائم الوضع الراهن، قام (بول إيليو) بإنشاء شركته لتصنع سيارات تشبه بعملها مبدأ الآيباد، فالآيباد والأجهزة اللوحية بشكل عام لم تحل مكان أجهزة الكمبيوتر التقليدية، لكنها جاءت مكملة لمجموعة المستخدمين من الأجهزة التكنولوجية، وهذا تماماً ما يسعى إليه (إيليو)، حيث يرى بأن المركبات التي تصنعها شركته تشبه عمل الأي باد، فسيارة (إليو موتورز) ذات عجلات القيادة الثلاثة تشبه الدراجة النارية ويمكن أن تسير لمسافة 84 ميلًا للغالون الواحد وكل ذلك ضمن تكلفة معقولة لا تتجاوز 6800 دولار.
تبعاً لـ(إيليو)، فإن هذه السيارة المنخفضة التكلفة والتي يمكن أن تسير لمسافات طويلة ستكون مرافقة للسيارات الكبيرة، وليست بديلاً عنها، ففي أيام الأسبوع، يمكنك استعمال سيارة (إليو موتورز) للوصل إلى العمل، حيث أنها ستسهل عليك السير ضمن الحركة المرورية المزدحمة، أما في أيام العطل، فيمكنك استخدام سيارتك العادية الكبيرة، وأخذ العائلة في رحلة لمكان ما.
الانتقال عبر الواقع الافتراضي
فكرة الاضطرار إلى التنقل “جسدياً” من موقع إلى آخر لحضور اجتماع في مكان ما ستصبح فكرة قديمة، فبدلًا من ذلك كل ما سيكون عليك فعله هو الاندماج في العالم الافتراضي، أو استخدام شعاع لدمج الواقعين المكانيين معاً، وبالفعل، بدأ كل من فيسبوك، وجوجل، ومايكروسوفت، وسوني، وHTC، بإنفاق مليارات الدولارات لتطوير الأجهزة وجعل التجربة تصبح أكثر اكتمالاً.
الهايبرلوب
قبل بضع سنوات، اقترحت كاليفورنيا بناء سكة حديدية عالية السرعة بتكلفة 69 مليار دولار بين لوس انجلوس وسان فرانسيسكو، ورداً على ذلك، نشر (ايلون موسك) (مؤسس تسلا، وسبيس اكس) ورقة حول نظام نقل مفاهيمي يدعى هايبرلوب (Hyperloop) وهو خليط بين كونكورد، وريلغان، وطاولة الهوكي الهوائي، ويمكن بناه بتكلفة أقل بـ 10٪ من تكلفة السكك الحديدية عالية السرعة.
حالياً تم وضع الهايبرلوب في التصميم وقيد الإنشاء، وعند اكتمال بنائه، سيكون قادراً على نقل الأشخاص والبضائع بين المدن بسرعة أكبر من سرعة الطائرة التجارية (أكثر من 700 ميلا في الساعة)، وتبعاً لـ(موسك) فإن الهايبرلوب سيكون أسرع من الطائرة، وأقل تكلفة من القطار ومتوفر بشكل مستمر في جميع الأحوال الجوية، وذلك كله بالإضافة إلى أنه لا يطلق أي انبعاثات كربون من عوادمه.
النقل الجوي
كما أصبح الجميع يعلم، فإن عصر السيارة الطائرة أصبح قريباً جداً، وقد أصبح هذا ممكناً من خلال اجتماع ثلاث تقنيات معاً، وهي البطاريات ذات كثافة الطاقة المرتفعة، ونظام الملاحة المستقل (GPS)، والمواد الخفيفة الوزن كبيرة القوة.
حالياً، تقوم مؤسسة (XPRIZE) بإنفاق الملايين لتحفيز التقدم في هذا المجال، وهناك الآن العديد من التصاميم المختلفة قيد التطوير من قبل عدد من الشركات التي تركز على إنشاء آليات للنقل الشخصي تمتلك القدرة على الإقلاع العمودي، والهبوط العمودي – آلة تشبه طوافة كهربائية رباعية المراوح تحمل الإنسان.
أحد هذه الشركات هي شركة (Zee Aero) التي يقال بأنه سيتم تمويلها من قبل جوجل، حيث استطاعت هذه الشركة إنتاج سيارة طائرة يمكنها الإقلاع والهبوط بشكل عمودي باستخدام عدد كبير من المحركات الكهربائية الصغيرة التي تدير أربع ريش مراوح وهي ضيقة بما يكفي لتتسع في مساحة ركن السيارات القياسية في مركز التسوق.
من التصميمات الأخرى، هناك (Volocopter) من (e-VOLO)، وهي مركبة كهربائية تتسع لشخصين وتمتلك 18مروحة.
https://www.youtube.com/watch?v=WFweyienhzw
ومن جهة ثانية، هناك منتج شركة مارتن التي يقع مقرها في نيوزيلندا، وهو عبارة عن آلة طيران غير تقليدية، تبدو وكأنها دعامة من نوع ما قادمة من فيلم خيال علمي، فهذه المروحية المأهولة يمكنها أن ترتفع لحوالي 1000 متر وتطير لمدة نصف ساعة، ومن المتوقع أن تصبح متاحة في الأسواق التجارية في وقت ما من النصف الثاني من عام 2016.
وفي سياق متصل، وضمن غمرة التطور الحاصلة في مجال النقليات، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشاراً واسعاً لمقطع فيديو تخيلي لكابينة طيران قابلة للانفصال عن جسد الطائرة المدنية حال تعرضها لحادث بالجو، وفى حال تنفيذ هذه الفكرة فقد تكون وسيلة لإنقاذ حياة الركاب خلال الرحلات.
أخيراً، يمكن القول بأن مستقبل وسائل النقل سواء البرية منها أو الجوية يبدو مشرقاً للغاية، وإذا ما تحققت جميع الوعود التي تم الإدلاء بها مؤخراً، فقد يعني هذا بأننا سنعيش في مكان لن تشكل فيه المسافات وضياع الوقت على الطرقات أي مشكلة بعد الآن.