تعد السلوكيات السلبية من أكبر المعوقات التي تحول دون بلوغ الإنسان درجة التوافق مع محيطه، فإذا كان علم النفس من خلال دراسته للسلوك الإنساني يسعى بذلك إلى بناء فكر وتغير هذه السلوكات السلبية، فإن ذلك يتطلب وضع إستراتيجية واضحة وفق برنامج تنفيذي ومتابعة جادة، وبناء عليه كان مشروع المدرسة السلوكية يقوم على دراسة المظاهر السلوكيّة للفرد وتفسيره.
جون برودوس واطسن، سيكولوجي أمريكي و مؤسس المدرسة السلوكية، نال شهادته حول موضوع سلوك الحيوان من جامعة شيكاغو سنة 1903، وفي سنة 1908 أصبح أستاذا بجامعة هوبكنز بواشنطن ثم رئيسا للجمعية الأمريكية لعلم النفس بين 1915-1921.
عبر واطسن عن موقفه ووصفه لعلم النفس سنة 1913 بقوله “إن علم النفس من منظور السلوكيين عبارة عن فرع تجريبي حقيقي من العلوم الطبيعية هدفه النظري هو التنبؤ ومراقبة السلوك. ولا يمثل الإستبطان أي جانبا من مناهجه، ولا تتمثل قيمته العلمية في قبول بياناته (معلومات الإستبطان ) في تفسير الوعي”.
يلاحظ من هذه العبارات أن واطسن قد حدد موضوع علم النفس ومنهجه بطريقة تختلف عن تحديد المدرستين السابقتين: البنيوية والوظيفية اللتين كانتا تهتمان بالعمليات العقلية وإن كان ذلك من منظورين مختلفين.
في الواقع فإن واطسن قد تأثر كثيرا ببعض من سبقه من السيكولوجيين(النفسانيين) وعلماء الفيسيولوجيا والبيولوجيا ولنتذكر أن أطروحته كانت حول سلوك الحيوان. من أهم الأعمال التي تأثر بها واطسن، بحوث إيفان بافلوف(1849- 1936) الفيسيولوجي الروسي الذي كان يجري بحوثه على الكلاب في موضوع وظائف الأعضاء وخاصة عملية الهضم. نال بفلوف جائزة نوبل في الطب، وواصل بحوثه بعد ذلك حول الإشراط معتبرا إياه ظاهرة فسيولوجية وليست نفسية. أما واطسن فقد اعتبر رد الفعل في عملية الإشراط ظاهرة نفسية وليست فيسيولوجية إذ أن الإستجابة في حد ذاتها سلوك. ثم يأكد إمكانية إرجاع كل الإستجابات إلى شكلين: حركي غدّي، وإنه يمكن أن تكون الإستجابات ظاهرة من الممكن ملاحظتها، كما يمكن أن تكون خفية ولا يمكن ملاحظتها.
إذا كان واطسن كما أسلفنا الذكر بكونه رائد التيار السلوكي وواضع قانون الإشراط: منبه – استجابة – تعزيز، فإنه من الواجب علينا الإشارة لرائد المدرسة السلوكية الجديدة فريديريك سكينر ,الذي ركز في دراساته على تأئير البيئة في السلوك , و كان يرى بأن تنوع البيئة وتغيرها المستمر يؤدي إلى تحولات في سلوك الفرد الواحد طيلة حياته.
مهما يكن فإن المدرسة السلوكية تقوم أساسا على دراسة السلوك الظاهري للإنسان وتفسيره دون الإهتمام بالدوافع والبواعث الداخلية، والمهم هو دراسة الإفعال التي يقوم بها الإنسان كاستجابات لمؤثرات منبهة بيئية، ويميل السلوكيون من الناحية المنهجية إلى تطبيق المنهج التجريبي القائم على الدراسات المخبرية والمعالجة الإحصائية للبيانات بالإضافة إلى استعمال الآلات والمخابر لدراسة تأثير مختلف المنبهات والمؤثرات في سلوك الكائنات الحيّة.
عن محاضرات علم النفس – بتصرف –